إن بين الاسنادين فرقا، فالاسناد إلى الله مجاز، وإلى الشيطان حقيقة. وقد روى عن الحسن أن المراد زينا لهم أعمال البر فعمهوا عنها ولم يهتدوا إلى العمل بها» قال أحمد: وهذا الجواب مبنى على القاعدة الفاسدة في إيجاب رعاية الصلاح والأصلح، وامتناع أن يخلق الله تعالى للعبد إلا ما هو مصلحة، فمن ثم جعل إسناد التزيين إلى الله تعالى مجازا، وإلى الشيطان حقيقة، ولو عكس الجواب لفاز بالصواب، وتأمل ميله إلى التأويل الآخر: من أن المراد أعمال البر على بعده، لأنه لا يعرض لقاعدته بالنقض، وأتى لهم ذلك وقد اتى الله بنيانهم من القواعد، على أن التزيين قد ورد في الخير في قوله تعالى وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ على أن غالب وروده في غير البر، كقوله زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ، زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا، وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ومما يبعد حمله على أعمال البر: إضافة الأعمال إليهم في قوله أَعْمالَهُمْ وأعمال البر ليست مضافة إليهم، لأنهم لم يعملوها قط، فظاهر الاضافة يعطى ذلك. ألا ترى إلى قوله تعالى وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وقوله قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ فأطلق الايمان في المكانين عن إضافته إليهم لأنه لم يصدر منهم، وأضاف الإسلام الظاهر إليهم، لأنه صدر منهم، والله أعلم.