للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ من الغنى والثروة الدَّارَ الْآخِرَةَ بأن تفعل فيه أفعال الخير من أصناف الواجب والمندوب إليه، وتجعله زادك إلى الآخرة وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ وهو أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك وَأَحْسِنْ إلى عباد الله كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ أو أحسن بشكرك وطاعتك لله كما أحسن إليك. والفساد في الأرض: ما كان عليه من الظلم والبغي. وقيل إن القائل موسى عليه السلام. وقرئ: واتبع.

[[سورة القصص (٢٨) : آية ٧٨]]

قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)

عَلى عِلْمٍ أى على استحقاق واستيجاب لما فىّ من العلم الذي فضلت به الناس، وذلك أنه كان أعلم بنى إسرائيل بالتوراة. وقيل: هو علم الكيمياء. عن سعيد بن المسيب: كان موسى عليه السلام يعلم علم الكيمياء، فأفاد يوشع بن نون ثلثه، وكالب بن يوفنا ثلثه، وقارون ثلثه، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا.

وقيل: علم الله موسى علم الكيمياء، فعله موسى أخته، فعلمته أخته قارون. وقيل: هو بصره بأنواع التجارة والدهقنة «١» وسائر المكاسب. وقيل عِنْدِي معناه: في ظنى، كما تقول الأمر عندي كذا، كأنه قال: إنما أوتيته على علم، كقوله تعالى ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ثم زاد عِنْدِي أى هو في ظنى ورأيى هكذا. يجوز أن يكون إثباتا لعلمه بأنّ الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى، لأنه قد قرأه في التوراة، وأخبر به موسى، وسمعه من حفاظ التواريخ والأيام كأنه قيل أَوَلَمْ يَعْلَمْ في جملة ما عنده من العلم هذا، حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوّته. ويجوز أن يكون نفيا لعلمه بذلك، لأنه لما قال: أوتيته على علم عندي، فتنفج بالعلم «٢» وتعظم به. قيل: أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة، ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين وَأَكْثَرُ جَمْعاً للمال، أو أكثر جماعة وعددا. فإن قلت: ما وجه اتصال قوله وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ بما قبله؟ قلت: لما ذكر قارون من أهلك من قبله من القرون الذين كانوا أقوى منه وأغنى، قال على سبيل التهديد له: والله مطلع على ذنوب المجرمين، لا يحتاج إلى سؤالهم عنها واستعلامهم. وهو قادر على أن يعاقبهم عليها، كقوله تعالى وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وما أشبه ذلك.


(١) . قوله «والدهقنة» أى الزراعة، كما عبر غيره. (ع)
(٢) . قوله «فتنفج بالعلم» أى ترفع وتفاخر وتكبر. أفاده الصحاح. (ع)