للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له فيما كان يزينه لهم من عبادة الأوثان وغيرها، وهذا آخر قوله إبليس. وقوله إِنَّ الظَّالِمِينَ قول الله عزّ وجلّ. ويحتمل أن يكون من جملة قول إبليس، وإنما حكى الله عزّ وعلا ما سيقوله في ذلك الوقت، ليكون لطفا للسامعين في النظر لعاقبتهم والاستعداد لما لا بدّ لهم من الوصول إليه، وأن يتصوّروا في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول الشيطان فيه ما يقول، فيخافوا ويعملوا ما يخلصهم منه وينجيهم. وقرئ: فلا يلومونى، بالياء على طريقة الالتفات، كقوله تعالى حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ.

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٣]]

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)

وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: وأدخل الذين آمنوا، «١» على فعل المتكلم، بمعنى: وأدخل أنا وهذا دليل على أنه من قول الله، لا من قوله إبليس بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلق بأدخل، أى:

أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن الله وأمره. فإن قلت: فبهم يتعلق في القراءة الأخرى، وقولك:

وأدخلهم أنا بإذن ربهم، كلام غير ملتئم؟ قلت: الوجه في هذه القراءة أن يتعلق قوله:

بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بما بعده، أى تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ بإذن ربهم، يعنى: أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥)

قرئ أَلَمْ تَرَ ساكنة الراء، كما قرئ: من يتق، وفيه ضعف ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا اعتمد مثلا ووضعه. وكَلِمَةً طَيِّبَةً نصب بمضمر، أى: جعل كلمة طيبة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وهو


(١) . قال محمود: «وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: وأدخل الذين آمنوا على فعل المتكلم … الخ» قال أحمد:
فان قلت: ما الذي صرف الزمخشري عن حمله على الالتفات من التكلم إلى الغيبة، وألجأه إلى تعليقه بما بعده، وقد كانت له في ذلك مندوحة، والالتفات على هذا الوجه كثير مستفيض. ألا ترى إلى قوله تعالى طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ثم قال تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ ولم يقل تنزيلا منا. قلت: لأمر ما صرف الكلام عن هذا الوجه، وهو أن ظاهر أُدْخِلَ بلفظ المتكلم، يشعر بأن إدخالهم الجنة لم يكن بواسطة، بل من الله تعالى مباشرة، وظاهر الاذن يشعر باضافة الدخول إلى الواسطة، فبينهما تنافر، ولكن يحسن عندي أن يعلق بخالدين، والخلود غير الدخول، فلا تنافر، والله أعلم.