وهذا أصل معنى فعل التعجب. والذي روى عن الكسائي أنه قال: قال لي قاضى اليمن بمكة.
اختصم إلىّ رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له: ما أصبرك على اللَّه، فمعناه: ما أصبرك على عذاب اللَّه ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ أى ذلك العذاب بسبب أنّ اللَّه نزل ما نزل من الكتب بالحق وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في كتب اللَّه فقالوا في بعضها حق وفي بعضها باطل وهم أهل الكتاب لَفِي شِقاقٍ لفي خلاف بَعِيدٍ عن الحق، والكتاب للجنس.
أو كفرهم ذلك بسبب أنّ اللَّه نزّل القرآن بالحق كما يعلمون، وإن الذين اختلفوا فيه من المشركين- فقال بعضهم: سحر، وبعضهم: شعر، وبعضهم: أساطير- لفي شقاق بعيد. يعنى أنّ أولئك لو لم يختلفوا ولم يشاقوا لما جسر هؤلاء أن يكفروا.
الْبِرَّ اسم للخير ولكل فعل مرضىّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الخطاب لأهل الكتاب «١» لأن اليهود تصلى قِبل المغرب إلى بيت المقدس، والنصارى قِبل المشرق. وذلك أنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة، وزعم كل واحد من الفريقين أنّ البرّ التوجه إلى قبلته، فردّ عليهم. وقيل: ليس البرّ فيما أنتم عليه فإنه منسوخ خارج من البرّ، ولكن البرّ ما نبينه. وقيل: كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر
(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «الخطاب فيه لليهود والنصارى … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: هذا منقول عن المبرد، مصمى بسهام الرد، فان فيه إبهاما بأن اختلاف وجوه القراءة موكول إلى الاجتهاد، وأنه مهما اقتضاه قياس اللغة جازت القراءة به لمن يعد أهلا للاجتهاد في العربية واللغة. وهذا خطأ محض، فالقراآت سنة متبعة لا مجال فيها للدراية. على أن ما قاله وقدر أنه الأوجه ليس ببالغ ذروة فصاحة الآية إلا على القراآت المستفيضة، لأن الكلام مصدر بذكر البر الذي هو المصدر قولا واحدا، فلو عدل إلى ذكر البر الذي هو الوصف لا يفك المطابقة ومعنى النظام. ولذلك كان تأويل الآية بحذف المضاف من الثاني على تأويل: بر من آمن، أوجه وأحسن وأبقى على السياق. ومن ظن أنه يشق غبارا أو يتعلق بأذيال فصاحة المعجز للفصحاء، فقد سولت له نفسه محالا ومنته ضلالا.