للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورائه؟ قلت: قد امتثل وتقبل، ولكنه التمس من ربه أن بعضده بأخيه حتى يتعاونا على تنفيذ أمره وتبليغ رسالته. فمهد قبل التماسه عذره فيما التمسه، ثم التمس بعد ذلك، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر: ليس بتوقف في امتثال الأمر، ولا بتعلل فيه، وكفى بطلب العون دليلا على التقبل لا على التعلل.

[[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٤]]

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)

أراد بالذنب: قتله القبطي. وقيل: كان خباز فرعون واسمه فاتون. يعنى: ولهم علىّ تبعة ذنب، وهي قود ذلك القتل «١» ، فأخاف أن يقتلوني به، فحذف المضاف. أو سمى تبعة الذنب ذنبا، كما سمى جزاء السيئة سيئة. فإن قلت: قد أبيت أن تكون تلك الثلاث عللا، وجعلتها تمهيدا للعذر فيما التمسه، فما قولك في هذه الرابعة؟ قلت: هذه استدفاع للبلية المتوقعة. وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة، فكيف يكون تعللا. والدليل عليه: ما جاء بعده من كلمة الردع، والموعد بالكلاءة والدفع.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٥ الى ٢٢]

قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩)

قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢)

جمع الله له الاستجابتين معا في قوله كَلَّا فَاذْهَبا لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الدفع بردعه عن الخوف، والتمس منه الموازرة بأخيه فأجابه بقوله فَاذْهَبا أى اذهب أنت والذي طلبته وهو هرون. فإن قلت: علام عطف قوله فَاذْهَبا؟ قلت: على الفعل الذي يدل عليه كَلَّا كأنه قيل: ارتدع يا موسى عما تظنّ، فاذهب أنت وهرون. وقوله مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ من مجاز الكلام، يريد: أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجرى بينكما


(١) . قوله «وهي قود ذلك القتل» لعله القتيل. (ع)