للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما بطن. ويجوز أن يكون مَنْ خَلَقَ منصوبا بمعنى: ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله. وروى أنّ المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء، فيظهر الله رسوله عليها، فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمعه إله محمد، فنبه الله على جهلهم. فإن قلت: قدرت في أَلا يَعْلَمُ مفعولا على معنى:

ألا يعلم ذلك المذكور مما أضمر في القلب وأظهر باللسان من خلق، فهلا جعلته مثل قولهم: هو يعطى ويمنع، وهلا كان المعنى: ألا يكون عالما من هو خالق، لأنّ الخلق لا يصح إلا مع العلم؟

قلت: أبت ذلك الحال التي هي قوله وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ لأنك لو قلت: ألا يكون عالما من هو خالق وهو اللطيف الخبير: لم يكن معنى صحيحا، لأنّ ألا يعلم معتمد على الحال.

والشيء لا يوقت بنفسه، فلا يقال: ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء.

[[سورة الملك (٦٧) : آية ١٥]]

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)

المشي في مناكبها: مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية، لأنّ المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشى في مناكبها لم يترك «١» . وقيل: مناكبها جبالها. قال الزجاج: معناه سهل لكم السلوك في جبالها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها، فهو أبلغ التذليل. وقيل جوانبها. والمعنى: وإليه نشوركم، فهو مسائلكم «٢» عن شكر ما أنعم به عليكم.

[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]

أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)

مَنْ فِي السَّماءِ فيه وجهان: أحدهما من ملكوته في السماء، لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ، ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه. والثاني: أنهم


(١) . قوله «لم يترك» لعل هنا سقطا تقديره: لم يترك شيئا منها إلا قد ذلله. (ع)
(٢) . قوله «فهو مسائلكم» عبارة النسفي: سائلكم. (ع)