للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسعود: وما كان مكرهم. وقرئ: لتزول، بلام الابتداء، على: وإن كان مكرهم من الشدّة بحيث تزول منه الجبال ونتقلع من أماكنها. وقرأ على وعمر رضى الله عنهما: وإن كاد مكرهم مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ يعنى قوله إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي. فإن قلت: هلا قيل: مخلف رسله وعده؟ ولم قدم المفعول الثاني على الأوّل «١» ؟ قلت: قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا، كقوله إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم قال رُسُلَهُ ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً- وليس من شأنه إخلاف المواعيد- كيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته؟

وقرئ: مخلف وعده رسله، بجرّ الرسل ونصب الوعد. وهذه في الضعف كمن قرأ «قتل أولادهم شركائهم» . عَزِيزٌ غالب لا يماكر ذُو انتِقامٍ لأوليائه من أعدائه.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٨ الى ٥١]

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١)

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ انتصابه على البدل من يوم يأتيهم. أو على الظرف للانتقام.

والمعنى: يوم تبدّل هذه الأرض التي تعرفونها أرضاً أخرى غير هذه المعروفة، وكذلك السموات. والتبديل: التغيير، وقد يكون في الذوات كقولك: بدّلت الدراهم دنانير. ومنه بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها وبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ وفي الأوصاف، كقولك: بذلت الحلقة خاتماً، إذا أذبتها وسويتها خاتماً، فنقلتها من شكل إلى شكل. ومنه قوله تعالى فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ واختلف في تبديل الأرض والسموات، فقيل: تبدّل أوصافها فتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها. وتسوّى فلا يرى فيها عوج ولا أمت. وعن ابن عباس: هي تلك الأرض وإنما تغير، وأنشد:


(١) . قال محمود: «إن قلت لم قدم المفعول الثاني على الأول … الخ» ؟ قال أحمد: وفيما قاله نظر، لأن الفعل متى تقيد بمفعول انقطع إطلاقه، فليس تقديم الوعد في الآية دليلا على إطلاق الفعل باعتبار الموعود، حتى يكون ذكر الرسل بائناً كالأجنبى من الإطلاق الأول، ولا فرق في المعنى الذي ذكره بين تقديم ذكر الرسل وتأخيره ولا يفيد تقديم المفعول الثاني إلا الإيذان بالعناية في مقصود المتكلم والأمر بهذه المثابة في الآية، لأنها وردت في سياق الانذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله تعالى به على ألسنة الرسل، فالمهم في التهديد ذكر الوعيد. وأما كونه على ألسنة الرسل فذلك أمر لا يقف التخويف عليه ولا بد، حتى لو فرض التوعد من الله تعالى على غير لسان رسول، لكان الخوف منه حسبياً كافياً، والله أعلم.