للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سفينة برّ تحت خدّى زمامها «١»

يريد صيدحه «٢»

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥)

غَيْرُهُ بالرفع على المحل، وبالجرّ على اللفظ، والجملة استئناف تجرى مجرى التعليل للأمر بالعبادة أَفَلا تَتَّقُونَ أفلا تخافون أن ترفضوا عبادة الله الذي هو ربكم وخالقكم ورازقكم، وشكر نعمته التي لا تحصونها واجب عليكم، ثم تذهبوا فتعبدوا غيره مما ليس من استحقاق


(١) .
ألا خيلت مى وقد نام صحبتي … فما نفر التهويم إلا سلامها
طروقا وجلب الرحل مشدودة به … سفينة بر تحت خدي زمامها
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة … قليلا بها الأصوات إلا بغامها
لذي الرمة، يقول: خيلت مى، أى: بعثت خيالها وأرتنى إياه، وسلمت على في منامي. والحال أنه قد نام أصحابى، والصحبة كالعصبة والرفقة، ونسب النوم إليهم دونه، لأن نومه تهويم أى فتور وغفلة أول النوم فقط. والتهويم أيضا: تمايل الرأس من النعاس، أو لأنه يتذكرها فكأنه لم ينم. ويروى: ذو الكرى بدل صحبتي، فما نفر التهويم وطرده عنى إلا سلامها على. ويروى:
ألا طرقتنا مية بنت منذر … فما أرّق النيام إلا سلامها
وأرق: أسهر، والنيام: جمع نائم، وقياسه نوام، فقلب ياء شذوذا، والطروق: الإتيان ليلا، وهو نصب على المصدر من خيلت، لتلاقيهما معنى. وقيل: الطروق- بالفتح-: الناقة التي بلغت أن يطرقها الفحل، وهو مفعول خيلت. والأوجه أنه حال من فاعله هذا، ولعله على التشبيه. وجلب الرحل- بالضم، وبالكسر-:
عيدانه، أى: والحال أن عيدان الرحل مشدودة بها ناقة عظيمة كالسفينة. فاستعارها لها على طريق التصريح، وإضافتها للبر قرينة للاستعارة. وفيه أنها في البر تقوم مقام السفينة في البحر، وأنها تقابلها، والزمام تجريد، أى: زمامها تحت خدي وأنا نائم. والبلدة من الناقة: ما لاقى الأرض عند الاناخة، وتطلق على الصدر. والبلدة الأرض الصلبة. والبغام: صوت الظبى، أى: أنختها فألقت عظاما صلبة كالأرض، فاستعارها لها على طريق التصريح، فوق أرض صلبة حال كون تلك الأرض قليلا فيها الأصوات إلا نعام الناقة، أى: صوتها الشبيه بصوت الظبى، لأنه كان حنينا. ومجيء الحال من النكرة بلا تأخير ولا نفى ولا تخصيص شاذ. ويروى. قليل- بالجر- على الصفة. وعلى كل فالأصوات فاعل له، ورفع المستثنى على الاتباع، لأن قليلا في معنى النفي، أى: ليس فيها صوت إلا البغام. وقيل «إلا» هنا بمعنى غير، فهي صفة للأصوات لأنه يشبه النكرة، ولما تعذر ظهور الاعراب عليها ظهر على ما بعدها.
(٢) . قوله «يريد صيدحه» أى: ناقته المسماة بصيدح. (ع)