للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أن يعلمهم موجوداً منهم الثبات، والثاني أن تكون العلة محذوفة، وهذا عطف عليه، معناه:

وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم اللَّه. وإنما حذف للإيذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة، ليسليهم عما جرى عليهم، وليبصرهم أن العبد يسوءه ما يجرى عليه من المصائب، ولا يشعر أنّ للَّه في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وليكرم ناسا منكم بالشهادة، يريد المستشهدين يوم أحد. أو وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلى به صبركم من الشدائد، من قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) . وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ اعتراض بين بعض التعليل وبعض. ومعناه: واللَّه لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان، المجاهدين في سبيل اللَّه، الممحصين من الذنوب. والتمحيص: التطهير والتصفية وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ويهلكهم. يعنى: إن كانت الدولة على المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص، وغير ذلك مما هو أصلح لهم. وإن كانت على الكافرين، فلمحقهم ومحو آثارهم.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٤٢]]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)

أَمْ منقطعة «١» ومعنى الهمزة فيها الإنكار وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ بمعنى ولما تجاهدوا، لأنّ العلم متعلق بالمعلوم «٢» فنزل نفى العلم منزلة نفى متعلقه لأنه منتف بانتفائه. يقول الرجل: ما علم اللَّه في فلان خيراً، يريد: ما فيه خير حتى يعلمه. ولما بمعنى لم، إلا أن فيها ضربا من التوقع فدلّ على نفى الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل. وتقول: وعدني أن يفعل كذا، ولما تريد، ولم يفعل، وأنا أتوقع فعله. وقرئ (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ) بفتح الميم. وقيل أراد النون الخفيفة ولما يعلمن «٣»


(١) . قوله «أم منقطعة» هي المفسرة ببل والهمزة. (ع)
(٢) . قال محمود: «ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم … الخ» قال أحمد: التعبير عن نفى المعلوم بنفي العلم خاص بعلم اللَّه تعالى، لأنه يلزم من عدم تعلق علمه بوجود شيء ما، عدم ذلك الشيء، ضرورة أنه لا يعزب عن علمه شيء لعموم تعلقه، فاستقام التعبير عن نفى الشيء بنفي تعلق العلم القديم بوجوده المصحح للملازمة، ولا كذلك علم آحاد المخلوقين، فانه لا يعبر عن نفى شيء بنفي تعلق علم الخلق به، لجواز وجود ذلك الشيء غير معلوم للخلق.
والزمخشري يظهر من كلامه صحة هذا التعبير مطلقاً ويعتقد الملازمة المذكورة عامة، فلذلك قال في قول فرعون (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أنه عبر عن نفى المعلوم بنفي العلم، لأنه من لوازمه. وسيأتى بيان أن الزمخشري وهم في هذا الموضع، وإلا فهو يحاشى عن الوقوع في مثله اعتقاداً، واللَّه أعلم. وإنما عبر فرعون بذلك تلبيساً على ملئه وتتميماً لدعوى ألوهيته الكاذبة بأنه لا يعزب عن علمه شيء، فلو كان إله سواه على دعواه لتعلق علمه به وهذا يعد من حماقات فرعون ودعاويه الفارغة، واللَّه الموفق.
(٣) . قوله «ولما يعلمن» لعله أى ولما يعلمن. (ع)