للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهم: أن الآية تليت عليهم، فما أنكروا ولا كذبوا، مع تهالكهم على التكذيب. فإن قلت:

كل قول يقال بالفم فما معنى قوله ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ؟ قلت: فيه وجهان. أحدهما: أن يراد أنه قول لا يعضده برهان، فما هو إلا لفظ يفوهون به، فارغ من معنى تحته كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم لا تدل على معان. وذلك أن القول الدال على معنى لفظه مقول بالفم ومعناه مؤثر في القلب. ومالا معنى له مقول بالفم لا غير، والثاني: أن يراد بالقول المذهب، كقولهم: قول أبى حنيفة، يريدون مذهبه وما يقول به، كأنه قيل: ذلك مذهبهم ودينهم بأفواههم لا بقلوبهم، لأنه لا حجة معه ولا شبهة حتى يؤثر في القلوب، وذلك أنهم إذا اعترفوا أنه لا صاحبة له لم تبق شبهة في انتفاء الولد يُضاهِؤُنَ لا بدّ فيه من حذف مضاف تقديره يضاهي قولهم قولهم، ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه، فانقلب مرفوعا.

والمعنى: أن الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم، يعنى أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث. أو يضاهي قول المشركين: الملائكة بنات الله تعالى الله عنه. وقيل: الضمير للنصارى، أى يضاهي قولهم: المسيح ابن الله، قول اليهود: عزير ابن الله، لأنهم أقدم منهم. وقرئ يضاهؤن بالهمز من قولهم: امرأة ضهيأ على فعيل، وهي التي ضاهأت الرجال في أنها لا تحيض وهمزتها «١» مزيدة كما في غرقئ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أى هم أحقاء بأن يقال لهم هذا، تعجباً من شناعة قولهم، كما يقال لقوم ركبوا شنعاء: قاتلهم الله ما أعجب فعلهم أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن الحق؟

[[سورة التوبة (٩) : آية ٣١]]

اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)

اتخاذهم أربابا: أنهم أطاعوهم في الأمر بالمعاصي وتحليل ما حرم الله وتحريم ما حلله، كما تطاع الأرباب في أوامرهم. ونحوه تسمية أتباع الشيطان فيما يوسوس به: عباده، بل كانوا يعبدون الجن يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ وعن عدىّ بن حاتم رضى الله عنه: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: «أليسوا يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلون ما حرّمه فتحلونه» ؟ قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم «٢» . وعن فضيل رضى


(١) . قوله «أنها لا تحيض وهمزتها مزيدة» هذا لا يناسب قوله «على فعيل» فلعله «أو همزة … الخ» . (ع)
(٢) . الواقدي من طريق عامر بن سعد عن عدى بن حاتم بهذا، وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن عطاء ابن يسار عن عدى بن حاتم، ورواه الترمذي من طريق مصعب بن سعد عن عدى بن حاتم بهذا وأتمم منه، إلا قوله «فتلك عبادتهم» وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب عن عطيف بن أعين، وعطيف ليس بمعروف، وأخرجه ابن أبى شيبة والطبراني والطبري وأبو يعلى من هذا الوجه رواه البيهقي في المدخل كذلك وزاد «فتلك عبادتهم» .