للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ أى عالم بالسحر ماهر فيه، قد أخذ عيون الناس بخدعة من خدعه، حتى خيل إليهم العصى حية، والآدم أبيض. فإن قلت قد عزى هذا الكلام إلى فرعون في سورة الشعراء، وأنه قاله للملإ وعزى هاهنا إليهم. قلت: قد قاله هو وقالوه هم، فحكى قوله ثم وقولهم هاهنا. أو قاله ابتداء فتلقته منه الملأ، فقالوه لأعقابهم. أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ، كما يفعل الملوك، يرى الواحد منهم الرأى فيكلم به من يليه من الخاصة، ثم تبلغه الخاصة العامة. والدليل عليه أنهم أجابوه في قولهم أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ وقرئ سحار، أى يأتوك بكل ساحر مثله في العلم والمهارة. أو بخير منه.

وكانت هذه مؤامرة مع القبط. وقولهم فَماذا تَأْمُرُونَ من أمرته فأمرنى بكذا إذا شاورته فأشار عليك برأى. وقيل: فماذا تأمرون؟ من كلام فرعون، قاله للملإ لما قالوا له: إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم، كأنه قيل: فماذا تأمرون؟ قالوا: أرجئه وأخاه، ومعنى أرجئه وأخاه أخرهما وأصدرهما عنك، حتى ترى رأيك فيهما وتدبر أمرهما. وقيل: احبسهما.

وقرئ: أرجئه، بالهمزة. وأرجه، من أرجأه وأرجاه.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١٣ الى ١١٤]

وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤)

فإن قلت: هلا قيل: وجاء السحرة فرعون فقالوا؟ قلت: هو على تقدير سائل سأل: ما قالوا إذ جاءوه؟ فأجيب بقوله قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً أى جعلا على الغلبة: وقرئ: إن لنا لأجراً، على الإخبار وإثبات الأجر العظيم وإيجابه: كأنهم قالوا: لا بد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم، كقول العرب: إنّ له لإبلا، وإنّ له لغنما، يقصدون الكثرة. فإن قلت: وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ما الذي عطف عليه؟ قلت: هو معطوف على محذوف سدّ مسدّه حرف الإيجاب، كأنه قال إيجابا لقولهم: إن لنا لأجراً: نعم إن لكم لأجراً، وإنكم لمن المقرّبين، أراد: إنى لأقتصر بكم على الثواب وحده، وإنّ لكم مع الثواب ما يقل معه الثواب، وهو التقريب والتعظيم، لأنّ المثاب إنما يتهنأ بما يصل إليه ويغتبط به إذا نال معه الكرامة والرفعة.

وروى أنه قال لهم: تكونون أول من يدخل وآخر من يخرج. وروى أنه دعا برؤساء السحرة ومعلميهم فقال لهم: ما صنعتم؟ قالوا قد علمنا سحراً لا يطيقه سحرة أهل الأرض، إلا أن يكون أمراً من السماء فإنه لا طاقة لنا به. وروى أنهم كانوا ثمانين ألفاً. وقيل: سبعين ألفاً وقيل: بضعة وثلاثين ألفاً. واختلفت الروايات فمن مقل ومن مكثر. وقيل: كان يعلمهم مجوسيان من أهل نينوى. وقيل: قال فرعون: لا نغالب موسى إلا بما هو منه، يعنى السحر.