ثم أكد تسبب المعاصي لغضب الله ونكاله: حيث أمرهم بأن يسيروا في الأرض فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة لمعاصيهم، ودل بقوله كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ على أنّ الشرك وحده لم يكن سبب تدميرهم، وأنّ ما دونه من المعاصي يكون سببا لذلك.
القيم: البليغ الاستقامة «الذي لا يتأتى فيه عوج مِنَ اللَّهِ إمّا أن يتعلق بيأتى، فيكون المعنى: من قبل أن يأتى من الله يوم لا يردّه أحد، كقوله تعالى فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها أو بمردّ، على معنى: لا يردّه هو بعد أن يجيء به، ولا ردّ له من جهته. والمردّ: مصدر بمعنى الردّ يَصَّدَّعُونَ يتصدّعون: أى: يتفرّقون، كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ.
فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ كلمة جامعة لما لا غاية وراءه من المضارّ، لأنّ من كان ضاره كفره، فقد أحاطت به كلّ مضرّة فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ أى يسؤون لأنفسهم ما يسوّيه لنفسه الذي يمهد فراشه ويوطئه، لئلا يصيبه في مضجعه ما ينبيه عليه وينغض عليه مرقده: من نتوء أو قضض «١» أو بعض ما يؤذى الراقد. ويجوز أن يريد: فعلى أنفسهم يشفقون، من قولهم في المشفق: أمّ فرشت فأنامت. وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أنّ ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر لا يتعدّاه. ومنفعة الإيمان والعمل الصالح: ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه لِيَجْزِيَ متعلق بيمهدون تعليل له مِنْ فَضْلِهِ مما يتفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب، وهذا يشبه الكناية، لأن الفضل تبع للثواب، فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له: أو أراد من عطائه وهو ثوابه، لأن الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب. وتكرير الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح. وقوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ تقرير بعده تقرير، على الطرد والعكس.