للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتحازنون عليه أَحادِيثَ يتحدّث الناس بهم ويتعجبون من أحوالهم، وفرقناهم تفريقا اتخذه الناس مثلا مضروبا، يقولون: ذهبوا أيدى سبا، وتفرقوا أبادى سبا. قال كثير:

أيادى سبا يا عزّ ما كنت بعدكم … فلم يحل بالعينين بعدك منظر «١»

لحق غسان بالشأم، وأنمار بيثرب، وجذام بتهامة، والأزد بعمان صَبَّارٍ عن المعاصي شَكُورٍ للنعم.

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٠ الى ٢١]

وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)

قرئ: صدّق، بالتشديد والتخفيف، ورفع إبليس ونصب الظن، فمن شدّد فعلى: حقق عليهم ظنه، أو وجده صادقا، ومن خفف فعلى: صدق في ظنه أو صدّق يظن ظنا، نحو: فعلته جهدك، وبنصب إبليس ورفع الظن، فمن شدّد فعلى: وجده ظنه صادقا ومن خفف فعلى: قال له ظنه الصدق حين خيله إغواءهم، يقولون: صدقك ظنك، وبالتخفيف ورفعهما على: صدق عليهم ظن إبليس، ولو قرئ بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في صدق، كقوله: صدقت فيهم ظنوني،


(١) . لكثير صاحب عزة. وسبأ: بلدة كانت كثرة الخصب طيبة البساتين، فكفر أهلها نعمة الله فأرسل عليهم السيل، وبدلهم بالخصب جديا؟؟؟، وبالرغد ضيقا، وبالسمن غثا، فصاروا لا ينالون الأفوات إلا من جهات بعيدة. والمراد بالأيادى: النعم، وأيادى سبا: استعارة لأحوال نفسه التي تشبه أحوال سبأ في التشتت والتنغص.
أو تشبيه بلغ على الخلاف. وفيه مجاز بالحذف، أى: أيادى أهل سبأ ما كنته بعدكم، أى: ما كنت متصفا به من الأحوال كأحوال سبأ. ويجوز ان ما مصدرية، أى: أكوانى وأحوالى بعدكم كأحوال سبأ. أو المراد بأيادى سبأ: أصحابها الذين كانوا يعمرونها، ففرقوا أنفسهم بأيديهم فشبه نفسه بهم لعدم استقراره. وتطلق سبأ على قبيلة كانت تسكنها. ويحتمل أنها المراد هنا، بل هو أظهر. ويجوز أن المراد أبوها، وهو سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان: كان ذا مال وبنين، فتفرق بنوه بعضهم إلى اليمن وبعضهم إلى الشام إلى غير ذلك، فأطلق الأيادى عليهم، لأن بهم قوته كالأيادى، ثم شبه نفسه بهم في الشتات. وعن: مرخم، وفي ندائها معنى التوجع والاستعطاف، وخاطبها بضمير جمع المذكر تعظيما، ولذلك لا تجده في مواضع ذمهن، وجملة النداء معترضة بين الخبر والمبتدأ ويحتمل أن التقدير: أنا كأيادى سبأ مدة كوني بعدكم، فهي معترضة بين الجملة والظرف المتعلق بها، وحلا يحلو كدعا يدعو وغيره قليل، شبه الحسن بالحلاوة بجامع اللذة. وقيل: حلى يحلى، كرضى يرضى في المنظر. وحلا يحلو في الطعم، وما هنا من الأول فلا مجاز، والمنظر مصدر بمعنى النظر، ويجوز أن الحلاوة الحسن والمنظر- بالفتح-: مكان النظر. ويجوز أنه النظر. أى: فلم يحسن لعيني غيرك، ويجوز أن المراد بعدكم بعد ارتحالك أنت وأهلك، فالخطاب لها ولحيها! ولكن موارد الاستعمال يعضدها ما تقدم، وروى: فلن يحل، فزعم بعضهم أن «لن» قد تجزم كما هنا، وعلى المنع فحذف آخر الفعل للضرورة أو التخفيف. [.....]