للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعزى النّفس عنه بالتّأسى «١»

فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروّحهم، لعظم ما هم فيه. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى إِذْ ظَلَمْتُمْ؟ قلت: معناه: إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين، وذلك يوم القيامة. وإذ: بدل من اليوم. ونظيره:

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة «٢»

أى: تبين أنى ولد كريمة.

[[سورة الزخرف (٤٣) : آية ٤٠]]

أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد ويجتهد ويكدّ روحه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون على دعائه إلا تصميما على الكفر وتماديا في الغىّ، فأنكر عليه بقوله أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، وأراد أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده على سبيل الإلجاء والقسر، كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤١ الى ٤٣]

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣)


(١) .
يذكرني طلوع الشمس صخرا … وأذكره بكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي … على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخى ولكن … أعزى النفس عنه بالتأسى
للخنساء ترثى أخاها. وإسناد التذكير الطلوع: مجاز عقلى، لأنه سبب في تذكيرها إياه، وكذلك الغروب حيث كان ذهابه عند الأول وإيابه عند الثاني عادة. أو لأنه يذهب في الأول للغارات، ويجلس في الثاني مع الضيفان. أو لأن طلوعها يشبه طلعته، وغروبها: يشبه موته. وفيه نوع من البديع يسمى التنكيت: وهو الإتيان بلفظ يسد غيره مسده، لولا نكتة فيه ترجح اختصاصه بالذكر: لكان اختصاصه خطأ، كما في اختصاص الوقتين هنا. أفاده السيوطي في شرح عقود الجمان. وفيه أيضا نوع آخر يسمى الادماج: وهو أن يضمن كلام سيق لمعنى معنى آخر، كما ضمن الكلام المسوق هنا لمعنى الرثاء معنى المدح بالشجاعة والكرم. أو بحسن الطلعة. والباء في «بكل» سببيه.
ويحتمل أن الاسناد للأول من باب الاسناد للزمان، فتكون الباء في الثاني بمعنى «في» أو «مع» وذكر الشمس ثانيا في آخر المصراع الثاني من باب رد العجز على الصدر. وأعزى النفس: أسليها وأصبرها عنه بالتأسى، أى:
الاقتداء بغيري من أهل المصائب وفي اقتدائها بالباكين من الرجال: إشعار بتجلدها وعظم شأنها مثلهم. وروى «على أمواتهم» بدل: «على إخوانهم» ، و «أسلى» بدل «أعزى» .
(٢) . مر شرح هذا الشاهد بالجزء الثالث صفحة ٤٠ فراجعه إن شئت اه مصححه. [.....]