للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين» «١» وعن ابن عباس رضى الله عنه: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي «٢» . وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه:

يَا صَاحِبَ الْبَغْىِ إنَّ الْبَغْىَ مَصْرَعَةٌ … فَارْبَعْ فَخَيْرُ فِعَالِ المَرْءِ أعْسَلُهُ

فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْماً عَلَى جَبَلٍ … لَانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيهِ وَأَسْفَلُهُ «٣»

وعن محمد بن كعب: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي والنكث والمكر. قال الله تعالى:

إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.

[[سورة يونس (١٠) : آية ٢٤]]

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)

هذا من التشبيه المركب، شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعد ما التف ونكائف، وزين الأرض بخضرته ورفيفه «٤» فَاخْتَلَطَ بِهِ فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ كلام فصيح: جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس، إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون، فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين. وأصل ازَّيَّنَتْ تزينت،


(١) . أخرجه إسحاق في مسنده والطبراني من حديث عبد الله بن أبى بكرة عن أبيه. والبخاري في الأدب المفرد من رواية بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن جده رفعه «كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا البغي وعقوق الوالدين، فانه يعجل لصاحبه في الدنيا قبل الموت» .
(٢) . أخرجه البخاري في الأدب حدثنا أبو نعيم حدثنا قطر بن خليفة عن أبى يحيى القتات سمعت مجاهدا عن ابن عباس رضى الله عنهما موقوفا. ورواه ابن المبارك في الزهد عن قطر عن يحيى عن مجاهد مرسلا. ورواه البيهقي في الشعب من طريق الأعمش عن أبى يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس. ورواه ابن مردويه عن أنس رضى الله عنه أخرجه ابن حبان في الضعفاء في ترجمة أحمد بن الفضل. وقال: إنه كان يضع الحديث.
(٣) . كان المأمون بن الرشيد يتمثل بهما في بغى أخيه عليه، وكرر لفظ البغي تنفيرا عنه، وشبهه بالمصرعة لأن صاحبه يرتبك فيه في العاقبة وربما هلك. وربع يربع، إذا لم يتجاوز قدر نفسه. فاربع: أى الزم قدرك واعدل في فعلك. والفعال- بالفتح-: غالب في فعل الخير. والمراد هنا مطلق الفعل، أى: فخير عمل المرء أقومه، فلو بغى جبل على جبل يوما من الأيام لعوقب واندك منه أعاليه. ويلزم منه اندكاك أسافله. وهذا عقد قول ابن عباس رضى الله عنهما: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي.
(٤) . قوله «ورفيفه» أى يرفقه وتلألؤه. وشجر رفيف: إذا تندت أوراقه، كذا في الصحاح. (ع) [.....]