هذا ذِكْرٌ أى: هذا نوع من الذكر وهو القرآن، لما أجرى ذكر الأنبياء وأتمه، وهو باب من أبواب التنزيل، ونوع من أنواعه، وأراد أن يذكر على عقبه بابا آخر، وهو ذكر الجنة وأهلها، «١» قال: هذا ذكر، ثم قال وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب، ثم يشرع في باب آخر، ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا وقد كان كيت وكيت، والدليل عليه: أنه لما أتم ذكر أهل الجنة وأراد أن يعقبه بذكر أهل النار. قال: هذا وإن للطاغين. وقيل: معناه هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدا. وعن ابن عباس رضى الله عنه: هذا ذكر من مضى من الأنبياء جَنَّاتِ عَدْنٍ معرفة لقوله جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب. ومُفَتَّحَةً حال، والعامل فيها ما في لِلْمُتَّقِينَ من معنى الفعل. وفي مُفَتَّحَةً ضمير الجنات. والأبواب بدل من الضمير، تقديره: مفتحة هي الأبواب، كقولهم: ضرب زيد اليد والرجل، وهو من بدل الاشتمال. وقرئ: جنات عدن مفتحة، بالرفع، على أن جنات عدن مبتدأ، ومفتحة خبره.
أو كلاهما خبر مبتدإ محذوف، أى: هو جنات عدن هي مفتحة لهم، كأن اللدات سمين أترابا، لأن التراب مسهن في وقت واحد، وانما جعلن على سنّ واحدة، لأن التحاب بين الأقران أثبت. وقيل: هنّ أتراب لأزواجهن، أسنانهنّ كأسنانهم:
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤)
قرئ: يوعدون، بالتاء والياء لِيَوْمِ الْحِسابِ لأجل يوم الحساب، كما تقول: هذا ما تدخرونه ليوم الحساب، أى: ليوم تجزى كل نفس ما عملت.
(١) . قال محمود: «إنما قال: هذا ذكر ليذكر عقبه ذكرا آخر، وهو ذكر الجنة وأهلها، كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب، ثم يشرع في باب آخر» قال أحمد: وكما ما يقول الفقيه إذا ذكر أدلة المسألة عند تمام الدليل الأول: هذا دليل ثان كذا وكذا إلى آخر ما في نفسه، ويدل عليه أنه عند انقضاء ذكر أهل الجنة قال: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ فذكر أهل النار.