للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا عن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهما، قال ابن عباس: انفلق فلقتين فلقة ذهبت وفلقة بقيت «١» . وقال ابن مسعود: رأيت حراء بين فلقتى القمر «٢» . وعن بعض الناس: أن معناه ينشق يوم القيامة، وقوله وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ يردّه، وكفى به رادّا، وفي قراءة حذيفة: وقد انشق القمر، أى: اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق، كما تقول: أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه. وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم «٣» .

مستمر: دائم مطرد، وكل شيء قد انقادت طريقته ودامت حاله، قيل فيه: قد استمرّ. لما رأوا تتابع المعجزات وترادف الآيات: قالوا: هذا سحر مستمرّ. وقيل: مستمرّ قوى محكم، من قولهم: استمر مريره «٤» . وقيل: هو من استمر الشيء إذا اشتدّت مرارته، أى: مستبشع عندنا، مرّ على لهواتنا، لا نقدر أن نسيغه كما لا يساغ المر الممقر «٥» . وقيل: مستمر مارّ، ذاهب يزول ولا يبقى، تمنية لأنفسهم وتعليلا. وقرئ: وإن يروا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وما زين لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ أى كل أمر لا بد أن يصير إلى غاية يستقرّ عليها، وإن أمر محمد سيصير إلى غاية يتبين عندها أنه حق، أو باطل وسيظهر لهم عاقبته. أو وكل أمر من أمرهم وأمره مستقر، أى: سيثبت ويستقر على حالة خذلان أو نصرة في الدنيا، وشقاوة أو سعادة في الآخرة. وقرئ بفتح القاف، يعنى: كل أمر ذو مستقرّ، أى:

ذو استقرار. أو ذو موضع استقرار أو زمان استقرار. وعن أبى جعفر: مستقر، بكسر القاف والجرّ عطفا على الساعة، أى: اقتربت الساعة واقترب كل أمر مستقر يستقر ويتبين حاله.

[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤ الى ٧]

وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧)


(١) . أخرجه أبو نعيم في الدلائل، من رواية الكلبي عن أبى صالح عنه، وفي الصحيحين عنه: «انشق القمر على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(٢) . أخرجه ابن مردويه من رواية منصور عن زيد بن وهب عن ابن مسعود قال: «ولقد رأيت والله حراء بين الشقتين» وفي الصحيحين عن أبى معمر عنه «بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذا انفلق القمر فلقتين وكان فلقة وراء الجبل وفلقة دونه. فقال: اشهدوا» وفي الباب عن ابن عمر في مسلم. وعن جبير بن مطعم عن الحاكم في المستدرك، وعن أحمد أيضا.
(٣) . أخرجه الحاكم والطيراني وأبو نعيم منى رواية ابن علية عن عطاء بن السائب عن ابن عبد الرحمن بهذا وأتم. ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن عطاء، وكذا أخرجه أحمد من رواية شعبة عن عطاء. [.....]
(٤) . قوله «استمر مريره» في الصحاح «المرير» : الغريمة وما لطف وطال واشتد فتله من الحبال. (ع)
(٥) . قوله «كما يساغ المر الممقر» في الصحاح. مقر الشيء وأمقر، أى: صار مرا. (ع)