بنى النضير على أن يسيروا إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة مروان بن عبد المنذر وكان مناصحاً لهم لأنّ عياله وماله في أيديهم، فبعثه إليهم فقالوا له: ما ترى، هل ننزل على حكم سعد؟ فأشار إلى حلقه إنه الذبح، قال أبو لبابة فما زالت قدماي حتى علمت أنى قد خنت الله ورسوله فنزلت، فشدّ نفسه على سارية من سوارى المسجد وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علىّ، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله عليه، فقيل له: قد تيب عليك فحل نفسك. فقال: لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده فقال: إنّ من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالى. فقال صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تتصدّق به. وعن المغيرة: نزلت في قتل عثمان بن عفان رضى الله عنه. وقيل أَماناتِكُمْ ما ائتمنكم الله عليه من فرائضه وحدوده. فإن قلت: وَتَخُونُوا جزم هو أم نصب؟ قلت: يحتمل أن يكون جزما داخلا في حكم النهى «وأن يكون نصباً بإضمار «أن» كقوله وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وقرأ مجاهد:
جعل الأموال والأولاد فتنة، لأنهم سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم أو العذاب. أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
فعليكم أن تنوطوا بطلبه وبما تؤدى إليه هممكم، وتزهدوا في الدنيا، ولا تحرصوا على جمع المال وحب الولد، حتى تورّطوا أنفسكم من أجلهما، كقوله الْمالُ وَالْبَنُونَ الآية. وقيل: هي من جملة ما نزل في أبى لبابة وما فرط منه لأجل ماله وولده.
فُرْقاناً نصراً، لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه، والإسلام بإعزاز أهله. ومنه قوله تعالى يَوْمَ الْفُرْقانِ أو بياناً وظهورا يشهر أمركم ويبث صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض، من قولهم «بتّ أفعل كذا» حتى سطع الفرقان: أى طلع الفجر. أو مخرجا من الشبهات وتوفيقاً وشرحاً للصدور. أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان، وفضلا ومزية في الدنيا والآخرة.