للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن نيار: تجزى عنك ولا تجزى عن أحد بعدك «١» . وقرئ: لا يجزئ: لا يغنى «٢» . يقال:

أجزأت عنك مجزأ فلان. والمعنى: لا يجزى فيه، فحذف الْغَرُورُ الشيطان. وقيل: الدنيا وقيل: تمنيكم في المعصية المغفرة. وعن سعيد بن جبير رضى الله عنه: الغرّة بالله: أن يتمادى الرجل في المعصية ويتمنى على الله المغفرة. وقيل: ذكرك لحسناتك ونسيانك لسيئاتك غرّة.

وقرئ بضم الغين وهو مصدر غره غرورا، وجعل الغرور غارّا، كما قيل: جدّ جدّه، أو أريد زينة الدنيا لأنها غرور. فإن قلت: قوله وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف «٣» عليه. قلت: الأمر كذلك، لأنّ الجملة الاسمية آكد من الفعلية، وقد انضم إلى ذلك قوله هُوَ وقوله مَوْلُودٌ والسبب في مجيئه على هذا السنن: أنّ الخطاب للمؤمنين وعليتهم «٤» : قبض آباؤهم على الكفر وعلى الدين الجاهلى، فأريد حسم أطماعهم وأطماع الناس فيهم: أن ينفعوا آباءهم في الآخرة، وأن يشفعوا لهم، وأن يغنوا عنهم من الله شيئا، فلذلك جيء به على الطريق الآكد. ومعنى التوكيد في لفظ المولود: أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه، لم تقبل شفاعته، فضلا أن يشفع لمن فوقه من أجداده، لأنّ الولد يقع على الولد وولد الولد، بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك.

[[سورة لقمان (٣١) : آية ٣٤]]

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)

روى أنّ رجلا من محارب وهو الحرث بن عمرو بن حارثة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخبرنى عن الساعة متى قيامها، وإنى قد ألقيت حباتى في الأرض وقد


(١) . تقدم في أوائل البقرة.
(٢) . قوله «وقرئ لا يجزئ لا يغنى» لعله: أى لا يغنى. (ع)
(٣) . قال محمود: «إن قلت: لم أكد الجملة الثانية دون الأولى؟ قلت: لأن أكثر المسلمين كان آباؤهم قد ماتوا على الكفر، فلما كان إغناء الكافر عن المسلم بعيدا لم يحتج تأكيدا، ولما كان إغناء المسلم عن الكافر قد يقع في الأوهام أكد نفيه» قال أحمد: وهذا الجواب تتوقف صحته على أن هذا الخطاب كان خاصا بالموجودين حينئذ، والصحيح أنه عام لهم ولكل من ينطلق عليه اسم الناس، فالجواب المعتبر- والله أعلم- أن الله تعالى لما أكد الوصية على الآباء، وقرن شكرهم بوجوب شكره عز وجل، وأوجب على الولد أن يكتفى والده ما يسوءه بحسب نهاية إمكانه قطع هاهنا وهم الوالد في ان يكون الولد في القيامة مجزيه بحقه عليه، ويكفيه ما يلقاه من أهوال القيامة كما أوجب الله عليه في الدنيا ذلك في حقه، فلما كان إجزاء الولد عن الوالد مظنون الوقوع- لأن الله حضه عليه في الدنيا- كان جديرا بتأكيد النفي لازالة هذا الوهم، ولا كذلك العكس، فهذا جواب كاف شاف للعليل، إن شاء الله تعالى.
(٤) . قوله «وعليتهم» أى أشرافهم وعظماؤهم. (ع)