للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعليه أن يقدر قوله أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ تقديرا يطابقهما عليه، نحو: أو أن يسمع «١» من وراء حجاب. وقرئ: أو يرسل رسولا فيوحى بالرفع، على: أو هو يرسل. أو بمعنى مرسلا عطفا على وحيا في معنى موحيا. وروى أنّ اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك، فقال:

لم ينظر موسى إلى الله «٢» ، فنزلت. وعن عائشة رضى الله عنها: من زعم أنّ محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية «٣» ، ثم قالت: أو لم تسمعوا ربكم يقول: فتلت هذه الآية. إِنَّهُ عَلِيٌّ عن صفات المخلوقين حَكِيمٌ يجرى أفعاله على موجب الحكمة، فيكلم تارة بواسطة، وأخرى بغير واسطة: إما إلهاما، وإما خطابا.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]

وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)

رُوحاً مِنْ أَمْرِنا يريد: ما أوحى إليه، لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيى الجسد بالروح. فإن قلت: قد علم أن رسول الله «٤» صلى الله عليه وسلم: ما كان يدرى ما القرآن قبل


(١) . قوله «أو أن يسمع من وراء حجاب» لعله: أو بأن. (ع)
(٢) . لم أجده.
(٣) . متفق عليه، وقد تقدم طرف منه في الأنعام.
(٤) . قال محمود: «فان قلت: قد علم أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يدرى الكتاب قبل الوحى … الخ» قال أحمد: لما كان معتقد الزمخشري أن الايمان اسم التصديق مضافا إليه كثير من الطاعات فعلا وتركا حتى لا يتناول الموحد العاصي ولو بكبيرة واحدة اسم الايمان ولا ياله وعد المؤمنين، وتفطن لإمكان الاستدلال على صحة معتقده بهذه الآية: عدها فرصة لينتهزها وغنيمة، ليحرزها، وأبعد الظن بايراده مذهب أهل السنة على صورة السؤال ليجيب عنه بمقتضى معتقده، فكأنه يقول: لو كان الايمان وهو مجرد التوحيد والتصديق كما نقول أهل السنة، للزم أن ينفى عن النبي عليه الصلاة والسلام قبل المبعث بهذه الآية كونه مصدقا، ولما كان التصديق ثابتا للنبي عليه الصلاة والسلام قبل البعث باتفاق الفريقين: لزم أن لا يكون الايمان المنفي في الآية عبارة عما اتفق على ثبوته، وحينئذ يتعين صرفه إلى مجموع أشياء: من جملتها التصديق، ومن جملتها كثير من الطاعات التي لم تعلم إلا بالوحي، وحينئذ يستقيم نفيه قبل البعث، وهذا الذي طمع فيه: يخرط القتاد، ولا يبلغ منه ما أراد. وذلك أن أهل السنة وإن قالوا: إن الايمان هو التصديق خاصة حتى يتصف به كل موحد وإن كان فاسقا- يخصون التصديق بالله وبرسوله، فالنبي عليه الصلاة والسلام مخاطب في الايمان بالتصديق برسالة نفسه، كما أن أمته مخاطبون بتصديقه، ولا شك أنه قبل الوحى لم يكن يعلم أنه رسول الله، وما علم ذلك إلا بالوحي، وإذا كان الايمان عند أهل السنة هو التصديق بالله ورسوله، ولم يكن هذا المجموع ثابتا قبل الوحى، بل كان الثابت هو التصديق بالله تعالى خاصة: استقام نفى الايمان قبل الوحى على هذه الطريقة الواضحة، والله أعلم. [.....]