وما آتيناهم كتبا يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك، ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا، كما قال عز وجل أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ أو وصفهم بأنهم قوم أمّيون أهل جاهلية لا ملة لهم وليس لهم عهد بإنزال كتاب ولا بعثة رسول كما قال أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ فليس لتكذيبهم وجه متشبث، ولا شبهة متعلق، كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا مبطلين: نحن أهل كتب وشرائع، ومستندون إلى رسل من رسل الله. ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله وَكَذَّبَ الَّذِينَ تقدّموهم من الأمم والقرون الخالية كما كذبوا، وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوّة الأجرام وكثرة الأموال، فحين كذبوا رسلهم جاءهم إنكارى بالتدمير والاستئصال، ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم به مستظهرون، فما بال هؤلاء؟ وقرئ: يدرّسونها، من التدريس وهو تكرير الدرس. أو من درّس الكتاب، ودرّس الكتب: ويدّرسونها، بتشديد الدال: يفتعلون من الدرس. والمعشار كالمرباع، وهما: العشر، والربع. فإن قلت: ما معنى فَكَذَّبُوا رُسُلِي وهو مستغنى عنه بقوله وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟ قلت: لما كان معنى قوله وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: وفعل الذين من قبلهم التكذيب، وأقدموا عليه: جعل تكذيب الرسل مسببا عنه ونظيره أن يقول القائل: أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن ينعطف على قوله: وما بلغوا، كقولك: ما بلغ زيد معشار فضل عمرو فتفضل عليه فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ «١» أى للمكذبين الأوّلين، فليحذروا من مثله.
بِواحِدَةٍ بخصلة واحدة، وقد فسرها بقوله أَنْ تَقُومُوا على أنه عطف بيان لها، وأراد بقيامهم: إما القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرّقهم عن مجتمعهم عنده وإما القيام الذي لا يراد به المثول على القدمين، ولكن الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة
(١) . قوله «فكيف كان نكير» وفي النسفي: أن يعقوب قرأ «نكيري» بالياء في الوصل والوقف. (ع)