للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقديم. تقول: شيء لا كالأشياء أى معلوم لا كسائر المعلومات، وعلى المعدوم والمحال فان قلت: كيف قيل عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وفي الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل «١» وفعل قادر آخر «٢» ؟ قلت: مشروط في حد القادر أن لا يكون الفعل مستحيلا فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها، فكأنه قيل: على كل شيء مستقيم قدير. ونظيره: فلان أمير على الناس أى على من وراءه منهم، ولم يدخل فيهم نفسه وإن كان من جملة الناس. وأما الفعل بين قادرين فمختلف فيه. فإن قلت: ممّ اشتقاق القدير؟ قلت: من التقدير، لأنه يوقع فعله على مقدار قوّته واستطاعته وما يتميز به عن العاجز.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢١]]

يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)

لما عدّد اللَّه تعالى فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وذكر صفاتهم وأحوالهم ومصارف أمورهم، وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها، ويحظيها عند اللَّه ويرديها، أقبل عليهم بالخطاب، وهو من الالتفات المذكور عند قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، وهو فنّ من الكلام جزل، فيه هزّ وتحريك من السامع، كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكيا عن ثالث لكما: إنّ فلانا من قصته كيت وكيت، فقصصت عليه ما فرط منه، ثم عدلت


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «وفي الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: هذا الذي أورده خطأ على الأصل والفرع. أما على الأصل، فلأن الشيء لا يتناول إلا الموجود عند أهل السنة. وأما على الفرع، فلأنا وإن فرعنا على معتقد القدرية- والشيء عندهم إنما يتناول الموجود والمعدوم الذي يصح وجوده فلا يتناول المستحيل- إذاً على هذا التفريع ما يراده إياه نقضاً غير مستقيم على المذهبين. وأما المقدور بين قادرين، فإنها ورطة إنما يستاق إليها القدرية الذين يعتقدون أن ما تعلقت به قدرة العبد استحال أن يتعلق به قدرة الرب، إذ قدرة العبد خالقة فيستغنى الفعل بها عن قدرة خالق آخر- تعالى اللَّه عما يشركون علوا كبيرا- وأما أهل السنة فالقادر الخالق عندهم واحد، وهو اللَّه الواحد الأحد، فتتعلق قدرته تعالى بالفعل فيخلقه، وتتعلق به قدرة العبد تعلق اقتران لا تأثير فلذلك لم يخلق مقدور بين قادرين على هذا التفسير. وقد حشى الزمخشري في أدراج كلامه هذا سلب القدرة القديمة وجحدها، وجعل اللَّه تعالى قادراً بالذات لا بالقدرة، دس ذلك تحت قوله: وفي الأشياء ما لا تعلق به لذات القادر، ولم يقل لقدرة القادر، فليتفطن لدفائنه. وكم من ضلالة استدسها في هذه المقالة واللَّه الموفق. فان قيل: أيها الأشعرية، إذا كان الشيء عندكم هو الموجود، فما معنى القدرة عليه بعد وجوده وبقائه، واللَّه تعالى يقول وهو أصدق القائلين: (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ؟ قلنا: القدرة تتعلق بمقدورها فتوجده فيكون حينئذ شيئا فلما كان مآل ما تعلقت به القدرة إلى الشيء حتما، صح إطلاق الشيء عليه، وهو من وادى: «من قتل قتيلا فله سلبه» وإذا سموا الشيء باسم ما يؤول إليه غالباً، فما يؤول إليه حتما أجدر.
(٢) . قوله «وفعل قادر آخر» لعله مبنى على مذهب المعتزلة أن العبد هو الفاعل لأفعاله الاختيارية. ومذهب أهل السنة أن فاعلها في الحقيقة هو اللَّه تعالى. (ع)