للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو وإن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه. ومعنى قامُوا وقفوا وثبتوا في مكانهم. ومنه: قامت السوق، إذا ركدت وقام الماء: جمد. ومفعول شاءَ محذوف، لأن الجواب يدل عليه. والمعنى: ولو شاء اللَّه أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها، ولقد تكاثر هذا الحذف في «شاء» و «أراد» لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله:

فلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِى دَماً لَبَكَيْتُهُ «١»

وقوله تعالى «لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا، (لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) .

وأراد: ولو شاء اللَّه لذهب بسمعهم بقصيف الرعد، وأبصارهم بوميض البرق. وقرأ ابن أبى عبلة: لأذهب بأسماعهم، بزيادة الباء كقوله: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) . والشيء: ما صح أن يعلم ويخبر عنه. قال سيبويه- في ساقة الباب المترجم بباب مجارى أواخر الكلم من العربية-: وإنما يخرج التأنيث من التذكير. ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى؟. والشيء: مذكر، وهو أعم العام: كما أن اللَّه أخص الخاص يجرى على الجسم والعرض


(١) .
ملكت دموع العين حين رددتها … إلى ناظري والعين كالقلب تدمع
ولو شئت أن أبكى دما لبكيته … عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
لابن يعقوب إسحاق بن حسان الخذيمى، يرثى أبا الهيذام عامر بن عمار أمير عرب الشام. يقول: غلبت دموع عينى وقدرت عليها حين رددتها إلى مكانها. ويروى «ثم رددتها» والحال أنها تدمع دمعا كالقلب في الحمرة والحرقة، أو بدمع على وجه التبعية للقلب. ويروى «فالعين في القلب» مبالغة في فكره وحزنه المضمر فيه. وذكر مفعول المشيئة مع أنه صار في استعمالهم نسيا منسياً لأنه شيء مستغرب فحسن ذكره. وضمن «أبكى» معنى أدمع، فعداه إلى الدم مع أنه لا يتعدى إلا إلى المبكى عليه. وشبه الصبر بكريم أو ببيت له ساحة على سبيل المكنية. والمراد أنه يترك الجزع ويعدل إلى الصبر فيتصف به.