للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعتراض لا محل لها. والخطف: الأخذ بسرعة. وقرأ مجاهد (يخطف) بكسر الطاء، والفتح أفصح وأعلى، وعن ابن مسعود: يختطف. وعن الحسن: يخطف، بفتح الياء والخاء، وأصله يختطف. وعنه: يخطف، بكسرهما على إتباع الياء الخاء. وعن زيد بن على: يخطف، من خطف. وعن أبىّ: يتخطف، من قوله: (يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) . كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول: كيف يصنعون في تارتى خفوق البرق وخفيته؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون، إذا صادفوا من البرق خفقة، مع خوف أن يخطف أبصارهم، انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفى وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، ولو شاء اللَّه لزاد في قصيف الرعد فأصمهم، أو في ضوء البرق «١» فأعماهم. وأضاء:

إما متعد بمعنى: كلما نوّر لهم ممشى ومسلكا أخذوه والمفعول محذوف. وإما غير متعد بمعنى:

كلما لمع لهم مَشَوْا في مطرح نوره وملقى ضوئه. ويعضده قراءة ابن أبى عبلة: كلما ضاء لهم والمشي: جنس الحركة المخصوصة. فإذا اشتد فهو سعى. فإذا ازداد فهو عدو. فإن قلت:

كيف قيل مع الإضاءة: كلما، ومع الإظلام: إذا؟ قلت لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي وتأتيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقف والتحبس. وأظلم: يحتمل أن يكون غير متعد وهو الظاهر، وأن يكون متعديا منقولا من ظلم الليل، «٢» وتشهد له قراءة يزيد بن قطيب: أظلم، على ما لم يسم فاعله. وجاء في شعر حبيب ابن أوس:

هُمَا أَظْلَمَا حالَىَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا … ظَلَامَيْهُما عنْ وَجْهِ أَمْرَدَ أَشْيَبِ «٣»


(١) . قوله «أو في ضوء البرق» لعله وفي. (ع)
(٢) . قوله «منقولا من ظلم الليل» في الصحاح «ظلم الليل بالكسر وأظلم» بمعنى، عن الفراء (ع)
(٣) .
أحاولت إرشادى فعقلى مرشدي … أم استمت تأديبى فدهرى مؤدبى
هما أظلما حالى ثمت أجليا … ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب
شجي في حلوق الحادثات مشرق … به عزمه في الترهات مغرب
لأبى تمام. ويقال لحبيب بن أوس. وحاول الشيء: أراده وحام حول تحصيله. واستام الشيء: قصده وتتبع سماته وتعرفه بها. ويروى: أم اشتقت. وقوله «عن وجه أمرد أشيب» فيه تجريد، أى عن وجه رجل أمرد كناية عن حسن الخلق. أشيب كناية عن جودة الرأى اللازمة لكمال الرجولية. والأول كناية عن المضي في طرق الهزل. والثاني كناية عن المضي في طرق الجد، فلذلك اجتمعا معا في زمان واحد. ويحتمل أنه شاب مع أنه أمرد من كثرة حوادث الدهر. والشجي: ما نشب في الحلق لا يصعد ولا ينزل. والمشرق المغرب: الذاهب شرقا وغربا. والمراد التعميم. والترهة:
فارسى معرب بمعنى الطريق الصغيرة غير الجادة، والجمع ترهات وتراريه. ثم استعير للباطل وصار اسما له، والمعنى:
إن أردت مرشدي فهو عقلى، أو مؤدبى فدهرى. فالاستفهام بمعنى الشرط مجاراً، ويحتمل أنه توبيخي والفاء تعليلية لمحذوف، أى لا ينبغي إرادة إرشادى ولا تأديبى، فان دهري وعقلى تكفلا بذلك. وبين ذلك بقوله «هما أظلما» واستعمال أظلم متعديا لغة رديئة. وحالى: مفعول. والاظلام استعارة لتنغيص العيش وتكدير الخاطر. وأجليا:
أزالا وكشفا ظلاميهما. والظلامان: استعارة للتكدر والتنغص. وقوله «شجى» بدل من الأمرد، أى كالشجى.
وشبه الحوادث بحيوانات لها حلوق على طريق المكنية والحلوق تخييل لذلك. والمعنى أن الحوادث صارت لا تؤثر فيه ومضى به عزمه في جميع طرق الهزل كما مضى به في الجد، وبين مشرق مغرب طباق التضاد.