للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو العذاب النكر. ومن آمن أعطاه وكساه مِنْ أَمْرِنا يُسْراً أى لا نأمره بالصعب الشاق، ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك، وتقديره: ذا يسر، كقوله قَوْلًا مَيْسُوراً وقرئ: يسرا، بضمتين.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٩ الى ٩١]

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١)

وقرئ: مطلع، بفتح اللام وهو مصدر. والمعنى: بلغ مكان مطلع الشمس، كقوله:

كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها «١»

يريد: كأن آثار مجرّ الرامسات عَلى قَوْمٍ قيل: هم الزنج. والستر: الأبنية، وعن كعب:

أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب، فإذا طلعت الشمس دخلوها. فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم. وعن بعضهم: خرجت حتى جاوزت الصين، فسألت عن هؤلاء فقيل: بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة، فبلغتهم فإذا أحدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى، ومعى صاحب يعرف لسانهم فقالوا له: جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس؟ قال: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة «٢» فغشى علىّ، ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن، فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت، فأدخلونا سربا لهم، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك ويطرحونه في الشمس فينضج لهم. وقيل: الستر اللباس. وعن مجاهد:

من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض كَذلِكَ أى أمر ذى القرنين كذلك، أى كما وصفناه تعظيما لأمره وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات وأسباب الملك خُبْراً تكثيرا لذلك. وقيل: لم نجعل لهم من دونها سترا مثل ذلك الستر الذي جعلنا لكم من الجبال والحصون والأبنية والأكنان من كل جنس، والثياب من


(١) .
كأن مجر الرامسات ذيولها … عليه قضيم نمقته الصوانع
للنابغة، والمجر ليس مكان الجر، وإنما هو مصدر بمعنى الجر، لأنه لو كان اسم مكان لما عمل النصب، ثم يجب تقدير مضاف ليصح الاخبار عنه بأنه قضيم أى موضع مجر، أى كان المحل الذي تجر الرياح الرامسات ذيولها عليه قضيم، أى جلد أبيض نمقته وحسنته الصوانع للكتابة. وسميت الرياح رامسات من الرمس أى التغييب، لأنها تحمل التراب وتلقيه على الآثار فيدفنها. واستعار الذيول لما يلي الأرض من الرياح على طريق التصريح. ويجوز أن تشبه الرياح بنساء لثيابهن ذيول طويلة يجررنها على الأرض، والذيول تخييل.
(٢) . قوله «إذ سمعنا كهيئة الصلصلة» في الصحاح «الصلة» واحدة الصلال، وهي القطع من الأمطار المتفرقة يقع منها الشيء بعد الشيء، وصلصلة اللجام: صوته إذا ضوعف. (ع)