للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم، فحذف الجواب كما في قوله: (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا) ، وقولهم: لو رأيت فلانا والسياط تأخذه. وقرئ: ولو ترى، بالتاء على خطاب الرسول أو كل مخاطب، أى ولو ترى ذلك لرأيت أمراً عظيما. وقرئ: إذ يرون، على البناء للمفعول. وإذ في المستقبل كقوله: (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) . إِذْ تَبَرَّأَ بدل من (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) أى تبرأ المتبوعون وهم الرؤساء من الأتباع. وقرأ مجاهد الأوّل على البناء للفاعل والثاني على البناء للمفعول، أى تبرأ الأتباع من الرؤساء وَرَأَوُا الْعَذابَ الواو للحال، أى تبرؤا في حال رؤيتهم العذاب وَتَقَطَّعَتْ عطف على تبرأ. والْأَسْبابُ الوصل التي كانت بينهم: من الاتفاق على دين واحد، ومن الأنساب، والمحاب، والأتباع، والاستتباع، كقوله:

(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (لو) في معنى التمني. ولذلك أجيب بالفاء الذي يجاب به التمني، كأنه قيل: ليت لنا كرّة فنتبرأ منهم (كذلك) مثل ذلك الإراءة الفظيع يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ أى ندامات وحسرات، ثالث مفاعيل أرى: ومعناه أنّ أعمالهم تنقلب حسرات عليهم فلا يرون إلا حسرات مكان أعمالهم وَما هُمْ بِخارِجِينَ هم بمنزلته في قوله:

هُمْ يَفْرِشُونَ اللِّبْدَ كُلَّ طِمِرَّةٍ «١» في دلالته على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم لا على الاختصاص.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٨ الى ١٦٩]

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩)


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «هم هاهنا بمنزلته في قوله هم يفرشون … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: أشد ما أخفى في هذه الكلمات معتقداً ورب صدره كلمات فهو ينفس عن نفسه خناق الكتمان بما ينفثه منه في بعض الأحيان، وكشف ذلك أن يقال: لما استشعر دلالة الآية لأهل السنة على أنه لا يخلد في النار إلا الكافر. وأما العاصي- وإن أصر على الكبائر- فتوحيده يخرجه منها ولا بد وفاء بالوعد. ووجه الدلالة منها على ذلك أنه صدر الجملة بضمير مبتدأ، ومثل هذا النظم يقتضى الاختصاص والحصر لغة. وستمر للزمخشري مواضع يستدل فيها على الحصر بذلك، فقد قال في قوله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) أن معناه لا ينشر إلا هم، وأن المنكر عليهم ما يلزمهم من حصر الألوهية فيهم. وكذلك يقول في أمثال قولهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أن معناه الحصر أنه لا يوقن بالآخرة إلا هم، فإذا ابتنى الأمر على ذلك لزم حصر نفى الخروج من النار في هؤلاء الكفار دون غيرهم من الموحدين. لكن الزمخشري يأبى ذلك، فيعمل الحال من معارضة هذه الفائدة بفائدة تتم له على القاعدة، فيجعل الضمير المذكور يفيد تأكيد نسبة الخلود إليهم لاختصاصه بهم، وهم عنده بهذه المثابة، لأن العصاة وإن خلدوا على زعمه إلا أن الكفار أحق بالخلود وأدخل في استحقاقه منهم. فسبحان من امتحنه بهذه المحنة على حذقه وفطنته. واللَّه ولى التوفيق.