مثل كأن الباطل لا يتطرّق إليه ولا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتى يصل إليه ويتعلق به. فإن قلت: أما طعن فيه الطاعنون، وتأوّله المبطلون؟ قلت: بلى، ولكن الله قد تقدّم في حمايته عن تعلق الباطل به: بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم، فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا، ولا قول مبطل إلا مضمحلا. ونحوه قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
[[سورة فصلت (٤١) : آية ٤٣]]
ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣)
ما يقال لك أى: ما يقول لك كفار قومك إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ ورحمة لأنبيائه وَذُو عِقابٍ لأعدائهم. ويجوز أن يكون: ما يقول لك الله إلا مثل ما قال للرسل من قبلك، والمقول: هو قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ فمن حقه أن يرجوه أهل طاعته ويخافه أهل معصيته، والغرض: تخويف العصاة.
كانوا لتعنتهم يقولون: هلا نزل القرآن بلغة العجم «فقيل: لو كان كما يقترحون لم يتركوا الاعتراض والتعنت وقالوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ أى بينت ولخصت بلسان نفقههءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ الهمزة همزة الإنكار، يعنى: لأنكروا وقالوا: أقرآن أعجمى ورسول عربى، أو مرسل إليه عربى، وقرئ: أعجمى، والأعجمى: الذي لا يفصح ولا يفهم كلامه من أى جنس كان، والعجمي: منسوب إلى أمّة العجم. وفي قراءة الحسن: أعجمى بغير همزة الاستفهام على الإخبار بأن القرآن أعجمى، والمرسل أو المرسل إليه عربى. والمعنى: أنّ آيات الله على أى طريقة جاءتهم وجدوا فيها متعنتا، لأنّ القوم غير طالبين للحق وإنما يتبعون أهواءهم. ويجوز في قراءة الحسن: هلا فصلت آياته تفصيلا، فجعل بعضها بيانا للعجم، وبعضها بيانا للعرب. فإن قلت:
كيف يصح أن يراد بالعربي المرسل إليهم وهم أمّة العرب؟ قلت: هو على ما يجب أن يقع في إنكار المنكر لو رأى كتابا أعجميا كتب إلى قوم من العرب يقول: كتاب أعجمى ومكتوب