للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَاثِرْ بِسَعْدٍ إنَّ سَعْداً كَثِيرَةٌ … و، لَا تَرْجُ مِنْ سَعْدٍ وَفَاء وَلَا نَصْرَا «١»

وكما قيل:

لَا يَدْهَمَنَّكَ مِنْ دَهْمَائِهِمْ عَدَدٌ … فَإنَّ جُلَّهُمُ بَلْ كُلَّهُمْ بَقَرُ «٢»

وقيل: نزلت في حجاج اليمامة، حين أراد المسلمون أن يوقعوا بهم، فنهوا عن الإيقاع بهم وإن كانوا مشركين.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢)

الجملة الشرطية والمعطوفة عليها أعنى قوله إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ صفة للأشياء. والمعنى: لا تكثروا مسألة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم، إن أفتاكم بها وكلفكم إياها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها. وذلك نحو ما روى أن سراقة بن مالك أو عكاشة بن محصن قال:

يا رسول اللَّه، الحج علينا كل عام؟ فأعرض عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى أعاد مسألته ثلاث مرّات، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «ويحك! ما يؤمنك أن أقول نعم؟ واللَّه لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» «٣» (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) وإن تسألوا عن هذه


(١) . «سعد» اسم قبيلة. والمعنى: أنه لا نفع فيهم إلا تكثير سواد الجيش، فلا يفون بما وعدوا من النصر، ولا ينصرون بلا وعد. ويمكن أن المراد الوفاء بحق الشجاعة. فالنصر تفسير. وفي تكرير الاسم. نوع تهكم.
(٢) .
لم يبق من جل هذا الناس باقية … ينالها الوهم إلا هذه الصور
لا يدهمنك من دهمائهم عدد … فان جلهم بل كلهم بقر
لأبى تمام. يقال: دهمه الأمر، إذا غشيه فحيره وسد عليه باب الرأى. والدهماء: الجماعة الكثيرة المتكاثفة، وأصله من الدهمة وهي الظلمة والسواد. يقول: لم يبق من معظم هذا الجمع من الناس بقية يدركها الوهم بعد التأمل، إلا هذه الصور والأجسام المشاهدة، مجردة على العقول، فلا تفزع من كثرة عدد جماعتهم، فان معظمهم كالبقر، بل جميعهم كذلك، فلا تدبير عندهم لأمر الحرب.
(٣) . هذا السياق لم أجده لا عن سراقة ولا عن عكاشة. فأما سراقة فروى مسلم من حديث جابر الطويل في صفة الحج «فقال سراقة بن مالك: بن جعشم يا رسول اللَّه، لعامنا هذا. أم للأبد؟ قلت: وهو عند البخاري ايضا من وجه آخر عن جابر، وللنسائى وابن ماجة من حديث سراقة بن مالك نفسه أنه قال للنبي صلى اللَّه عليه وسلم «يا رسول اللَّه، عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال: لا، بل للأبد. دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» وأما عكاشة بن محصن فرواه الطبري وابن مردويه من طريق محمد بن زياد: سمعت أبا هريرة رضى اللَّه عنه يقول «خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، كتب عليكم الحج، فقال عكاشة بن محصن الأسدى: أفي كل عام يا رسول اللَّه؟ فقال: أما أنا لو قلت نعم لوجبت. ولو وجبت ثم تركتم لضللتم. اسكتوا عنى ما سكت عنكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فأنزل اللَّه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) الآية وهو أقرب إلى سياق المصنف، دون ما في آخره مما ذكره المصنف فهو في الحديث الآتي. وأخرج الطبري من طريق أبى إسحاق الهجري عن ابن عباس عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «إن اللَّه كتب عليكم الحج فقال رجل: كل عام يا رسول اللَّه؟ فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا. فقال: من السائل؟
فقيل فلان. فقال: والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما أطقتموه. ولو تركتموه لكفرتم. فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) وأخرج أيضا من طريق معاوية بن يحيى عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن أبى أمامة أنه سمعه يقول «قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الناس وقال: كتب عليكم الحج فقام رجل من الأعراب- فذكر الحديث، وفيه فقال: ويحك ماذا يؤمنك أن أقول نعم، واللَّه لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم. وأما بقيته ففيما أخرجه مسلم من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبى هريرة «خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: أيها الناس فرض اللَّه عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أفي كل عام يا رسول اللَّه؟ فسكت حتى قالها ثالثا. فقال لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم. ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» وقد سأل عن الحج الأقرع بن حابس فعند بعض السنن من حديث ابن عباس «أن الأقرع بن حابس سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ فقال: مرة واحدة. فما زاد فهو تطوع» وأخرجه الطبري من هذا الوجه. فسمى الرجل محصنا الأسدى، وعند غيره عكاشة بن محصن.