كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لتسوية مذهبهم الباطل. ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزءا لم يكن لقوله تعالى ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ معنى، لأنّ من قال لا إله إلا الله على طريق الهزء: كان الواجب أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب، لأنه لا يجوز تكذيب الناطق بالحق جادّا كان أو هازئا. فإن قلت: ما قولك فيمن يفسر ما لهم- بقولهم: «١» إن الملائكة بنات الله- من علم إن هم إلا يخرصون في ذلك القول لا في تعليق عبادتهم بمشيئة الله؟ قلت: تمحل مبطل وتحريف مكابر. ونحوه قوله تعالى سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)
الضمير في مِنْ قَبْلِهِ للقرآن أو الرسول. والمعنى: أنهم ألصقوا عبادة غير الله بمشيئة الله:
قولا قالوه غير مستند إلى علم، ثم قال: أم آتيناهم كتابا قبل هذا الكتاب نسبنا فيه الكفر والقبائح إلينا، فحصل لهم علم بذلك من جهة الوحى، فاستمسكوا بذلك الكتاب واحتجوا به.
بل لا حجة لهم يستمسكون بها إلا قولهم إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ على دين. وقرئ: على إمة، بالكسر، وكلتاهما من الأمّ وهو القصد، فالأمة: الطريقة التي تؤم، أى: تقصد، كالرحلة للمرحول إليه. والأمة: الخالة التي يكون عليها الآم وهو القاصد. وقيل: على نعمة وحالة حسنة عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ خبر إن. أو الظرف صلة لمهتدون.
[[سورة الزخرف (٤٣) : آية ٢٣]]
وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)
مُتْرَفُوها الذين أترفتهم النعمة، أى أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي، ويعافون مشاق الدين وتكاليفه.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)
قرئ: قل، وقال، وجئتكم، وجئناكم، يعني، أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من
(١) . قوله «ما قولك فيمن يفسر ما لهم بقولهم» لعله: «يفسر ما لهم بذلك بقوله ما لهم بقولهم … الخ» (ع) [.....]