للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]

وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩)

معنى إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى رسول الله كقولك: أعجبنى زيد وكرمه، تريد: كرم زيد.

ومنه قوله:

غلّسنه قبل القطا وفرّطه «١»

أراد: قبل فرط القطا. روى: أنها نزلت في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودىّ يجرّه إلى رسول الله، والمنافق يجرّه إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمدا يحيف علينا. وروى أنّ المغيرة بن وائل كان بينه وبين علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه خصومة في ماء وأرض، فقال المغيرة: أمّا محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علىّ إِلَيْهِ صلة يأتوا، لأنّ «أتى و «جاء» قد جاءا معدّيين بإلى، أو يتصل بمذعنين لأنه في معنى مسرعين في الطاعة. وهذا أحسن لتقدّم صلته ودلالته على الاختصاص. والمعنى:

أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المرّ والعدل البحت. يزورّون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق، لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم، وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك، لتأخذ لهم ما ذاب لهم في ذمّة الخصم «٢» .

[[سورة النور (٢٤) : آية ٥٠]]

أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠)


(١) .
ومنهل من الفيافي أوسطه … غلسنه قبل القطا وفرطه
في ظل أجاج المقيظ مغبطه
المنهل: الوادي ومسيل الماء. والفيافي: الصحارى، جمع فيفاء. والظاهر أن أوسطه صفة منهل المجرور برب المحذوفة، وهاؤه للسكت، ولو جعلته بدل بعض والهاء ضمير المنهل: لزم جر المعرفة برب، مع إمكان التخلص عنه إلا عند من جعل ضمير النكرة نكرة فلا محذور. ويروى: من الفلا في أوسطه. والفلا واحده فلاة، أى: مفازة.
والرواية: غلسنه بالتشديد، أى سرنه في وقت الغلس وهو ظلمة الفجر، أو وردنه فيه. والفرط من القطا:
المتقدمات السابقات لغيرها، جمع فارط، كركع وراكع. وخصها لأنها أسرع الطير خروجا من أوكارها.
وأجاج المقيظ: شعاع الشمس يرى في شدة القيظ أى الحر كأنه يسير. وأجت النار: اشتعلت، والحر: اشتد، والظليم: أسرع وله حفيف، والأمر: اختلط. وأجاج: صفة مبالغة منه. وأغبط الشيء فهو مغبط: دام واستمر فمغبطه الدائم الكثير منه. والمعنى: أنه يبتدئ السير قبل السابقات من القطا، ويستمر عليه مع اشتداد الحر في ظل شعاع الشمس، لا يظله إلا هو إن كان له ظل، وهذا من المبالغة في النفي. ويجوز أنه اعتاده فصار عنده كالظل.
ويجوز أن المعنى: تحت كنفه وسترته وجاهه الشبيه بالظل. [.....]
(٢) . قوله «ما ذاب لهم في ذمة الخصم» في الصحاح: ذاب لي عليه من الحق كذا: إذا وجب وثبت. (ع)