خلقاً آخر. فإن قلت: أما يناقض هذا قوله: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ؟ قلت: لا لأنّ جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماء. وأمّا دحوها فمتأخر. وعن الحسن: خلق اللَّه الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر، عليها دخان ملتزق بها، ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات، وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض، فذلك قوله:(كانَتا رَتْقاً) وهو الالتزاق.
وَإِذْ نصب بإضمار اذكر. ويجوز أن ينتصب بقالوا. والملائكة: جمع ملأك على الأصل، كالشمائل في جمع شمأل. وإلحاق التاء لتأنيث الجمع. وجاعِلٌ من جعل الذي له مفعولان، دخل على المبتدأ والخبر وهما قوله فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فكانا مفعوليه.
ومعناه مُصير في الأرض خليفة. والخليفة: من يخلف غيره. والمعنى خليفة منكم، لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذرّيته. فإن قلت: فهلا قيل: خلائف، أو خلفاء؟
قلت: أريد بالخليفة آدم، واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كا استغنى بذكر أبى القبيلة في قولك:
مضر وهاشم. أو أريد من يخلفكم، أو خلفا يخلفكم فوحد لذلك. وقرئ: خليقة بالقاف ويجوز أن يريد: خليفة منى، لأنّ آدم كان خليفة اللَّه في أرضه وكذلك كل نبىّ (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) . فإن قلت: لأى غرض أخبرهم بذلك؟ قلت: ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم. وقيل ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها، وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم، وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة أَتَجْعَلُ فِيها تعجب من أن