للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم. ومثال هذا: أن يخوّن بغض الأمناء فيقول لعل الله خذلنى، لعل الله أعمى قلبي، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب.

وإنما يريد استبعاد أن يخوّن مثله، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم، ثم قال: ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق بِكَلِماتِهِ بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ يعنى: لو كان مفتريا كما تزعمون لكشف الله افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه. ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت «١» والتكذيب، ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم، إنّ الله عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك. وعن قتادة يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ: ينسك القرآن ويقطع عنك الوحى، يعنى: لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك، وقيل يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ: يربط عليه بالصبر، حتى لا يشق عليك أذاهم. فإن قلت: إن كان قوله وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ كلاما مبتدأ غير معطوف على يختم، فما بال الواو ساقطة في الخط؟ قلت: كما سقطت في قوله تعالى وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ وقوله تعالى سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ على أنها مثبتة في بعض المصاحف.

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٥]]

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥)

يقال: قبلت منه الشيء، وقبلته عنه. فمعنى قبلته منه: أخذته منه وجعلته مبدأ قبولى ومنشأه.

ومعنى: قبلته عنه: عزلته عنه وأبنته عنه. والتوبة: أن يرجع عن القبيح والإخلال بالواجب بالندم عليهما والعزم على أن لا يعاود، لأنّ المرجوع عنه قبيح وإخلال بالواجب. وإن كان فيه لعبد حق: لم يكن بد من التفصي على طريقه، وروى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إنى أستغفرك وأتوب إليك، وكبر، فلما فرغ من صلاته قال له على رضى الله عنه: يا هذا، إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين، وتوبتك تحتاج إلى التوبة. فقال: يا أمير المؤمنين، وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، وردّ المظالم، وإذا به النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ عن الكبائر إذا تيب عنها، وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ. قرئ بالتاء والياء: أى: يعلمه فيثيب على حسناته، ويعاقب على سيئاته.


(١) . قوله «من البهت» أى: اتهام الإنسان بما ليس فيه، (ع)