قيل: إنما قال: يا بنى إسرائيل، ولم يقل: يا قوم كما قال موسى، لأنه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه «١» . والمعنى: أرسلت إليكم في حال تصديقى ما تقدمني مِنَ التَّوْراةِ وفي حال تبشيرى بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي يعنى: أن دينى التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر. وقرئ: من بعدي، بسكون الياء وفتحها، والخليل وسيبويه يختاران الفتح.
وعن كعب: أن الحواريين قالوا لعيسى: يا روح الله، هل بعدنا من أمّة؟ قال: نعم أمّة أحمد حكماء علماء أبرار أتقياء، كأنهم من الفقه أنبياء، يرضون من الله باليسير من الرزق، ويرضى الله منهم باليسير من العمل. فإن قلت: بم انتصب مصدقا ومبشرا؟ أبما في الرسول من معنى الإرسال أم بإليكم؟ قلت: بل بمعنى الإرسال، لأن إِلَيْكُمْ صلة للرسول، فلا يجوز أن تعمل شيئا لأن حروف الجرّ لا تعمل بأنفسها، ولكن بما فيها من معنى الفعل، فإذا وقعت صلات لم تتضمن معنى فعل، فمن أين تعمل؟ وقرئ: هذا ساحر مبين.
وأى الناس أشد ظلما ممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام الذي له فيه سعادة الدارين، فيجعل مكان إجابته إليه افتراء الكذب على الله بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده إلى الحق: هذا سحر، لأنّ السحر كذب وتمويه. وقرأ طلحة بن مصرف: وهو يدعى، بمعنى يدعى. دعاه وادّعاه، نحو: لمسه والتمسه. وعنه: يدّعى، بمعنى يدعو، وهو الله عز وجل.
أصله: يريدون أن يطفؤا كما جاء في سورة براءة، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيدا له، لما فيها من معنى الإرادة في قولك: جئتك لإكرامك، كما زيدت اللام في: لا أبا لك، تأكيدا لمعنى الإضافة في: لا أباك، وإطفاء نور الله بأفواههم: تهكم بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن: هذا سحر، مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ أى متمّ الحق ومبلغه غايته. وقرئ بالإضافة.
(١) . قال الزمخشري: «وإنما قال يا بَنِي إِسْرائِيلَ ولم يقل: يا قوم، لأنه لم يكن له- صلوات الله على نبينا وعليه- نسب فيهم» قال أحمد: وهذا نظير قوله تعالى إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ لأن شعيبا لم يكن من قوم من أرسل إليهم.