كالنصبة في وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ وأما النصبة في تذكره فهي كالتي في ضربت زيدا، لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها. فإن قلت: هل يجوز أن يكون تَذْكِرَةً بدلا من محل لِتَشْقى؟ قلت: لا، لاختلاف الجنسين، ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي «إلا» فيه بمعنى «لكن» ويحتمل أن يكون المعنى: إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل «١» متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوّة، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون تذكرة حالا ومفعولا له لِمَنْ يَخْشى لمن يؤول أمره إلى الخشية، ولمن يعلم الله منه أنه يبدل بالكفر إيمانا وبالقسوة خشية. في نصب تَنْزِيلًا وجوه: أن يكون بدلا من تذكرة إذا جعل حالا، لا إذا كان مفعولا له لأن الشيء لا يعلل بنفسه، وأن ينصب بنزل مضمرا، وأن ينصب بأنزلنا، لأن معنى: ما أنزلناه إلا تذكرة: أنزلناه تذكرة، وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن ينصب بيخشى مفعولا به، أى: أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله، وهو معنى حسن وإعراب بين. وقرىّ: تنزيل، بالرفع على خبر مبتدأ محذوف. ما بعد تَنْزِيلًا إلى قوله لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى تعظيم وتفخيم لشأن المنزل، لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته. ولا يخلو من أن يكون متعلقه إما تَنْزِيلًا نفسه فيقع صلة له، وإما محذوفا فيقع صفة له. فإن قلت: ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب؟ قلت: غير واحدة منها عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة. ومنها أنّ هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة. ومنها أنه قال أولا أَنْزَلْنا ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع. ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين: ويجوز أن يكون أَنْزَلْنا حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه.
وصف السموات بالعلى: دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها.
قرئ الرَّحْمنُ مجرورا صفة لمن خلق والرفع أحسن، لأنه إما أن يكون رفعا على المدح على تقدير: هو الرحمن. وإما أن يكون مبتدأ مشارا بلامه إلى من خلق. فإن قلت: الجملة التي هي
(١) . قال محمود: «ويحتمل أن يكون المعنى إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل … الخ» قال أحمد: وفي هذا الوجه الثاني بعد، فان فيه إثبات كون الشقاء سببا في نزوله عكس الأول وإن لم تكن اللام سببية فكانت للصيرورة مثلا ولم يكن فيه ما جرت عادة الله تعالى به مع نبيه صلى الله عليه وسلم من نهيه عن الشقاء والحزن عليهم وضيق الصدر بهم، وكان مضمون هذه الآية متباينا عن قوله تعالى فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ، فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ ولا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ وأمثاله كثيرة فالظاهر والله أعلم هو التأويل الأول