للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنه لما قيل (يُوصى بِها) علم أن ثم موصيا، كما قال: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) على ما لم يسمّ فاعله، فعلم أن ثم مسبحا، فأضمر يسبح فكما كان رجال فاعل ما يدل عليه يسبح، كان غير مضارّ حالا عما يدل عليه يوصى بها.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣ الى ١٤]

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)

تِلْكَ إشارة إلى الأحكام التي ذكرت في باب اليتامى والوصايا والمواريث. وسماها حدوداً، لأن الشرائع كالحدود المضروبة الموقتة للمكلفين، لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها إلى ما ليس لهم بحق يُدْخِلْهُ قرئ بالياء والنون، وكذلك (يُدْخِلْهُ ناراً) وقيل: يدخله، وخالدين حملا على لفظ «من» ومعناه. وانتصب خالدين وخالداً على الحال. فان قلت: هل يجوز أن يكونا صفتين لجنات وناراً؟ قلت: لا، لأنهما جريا على غير من هما له، فلا بدّ من الضمير وهو قولك: خالدين هم فيها، وخالداً هو فيها.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)

يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ يرهقنها، يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها بمعنى. وفي قراءة ابن مسعود: يأتين بالفاحشة، والفاحشة: الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ قيل معناه: فخلدوهن محبوسات في بيوتكم، وكان ذلك عقوبتهن في أول الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي … ) الآية ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحدّ لكونه معلوما بالكتاب والسنة، ويوصى بإمساكهن في البيوت، بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح. وقيل: السبيل هو الحد، لأنه لم يكن مشروعا ذلك أوقت. فإن قلت: ما معنى يتوفاهن الموت- والتوفي والموت بمعنى واحد، كأنه قيل: حتى يميتهن الموت-؟ قلت: يجوز أن يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت، كقوله: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)