معرضة للقاطف، كالشىء الداني القريب المتناول، ولأنّ النخلة وإن كانت صغيرة ينالها القاعد فإنها تأتى بالثمر لا تنتظر الطول. وقال الحسن: دانية قريب بعضها من بعض. وقيل: ذكر القريبة وترك ذكر البعيدة: لأنّ النعمة فيها أظهر وأدلّ بذكر القريبة على ذكر البعيدة، كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ. وقوله وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ فيه وجهان، أحدهما: أن يراد: وثم جنات من أعناب، أى مع النخل. والثاني: أن يعطف على قِنْوانٌ على معنى: وحاصلة، أو ومخرجة من النخل قنوان وجنات من أعناب، أى من نبات أعناب، وقرئ وَجَنَّاتٍ بالنصب عطفاً على نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ أى: وأخرجنا به جنات من أعناب، وكذلك قوله وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ والأحسن أن ينتصبا على الاختصاص، كقوله وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ لفضل هذين الصنفين مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ يقال اشتبه الشيئان وتشابها، كقولك استويا وتساويا. والافتعال والتفاعل يشتركان كثيراً. وقرئ: متشابها وغير متشابه. وتقديره: والزيتون متشابها وغير متشابه، والرمّان كذلك كقوله:
كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدَىَّ بَرِيّا
والمعنى: بعضه متشابها وبعضه غير متشابه، في القدر واللون والطعم. وذلك دليل على التعمد دون الإهمال انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا ضعيفاً لا يكاد ينتفع به. وانظروا إلى حال ينعه ونضجه كيف يعود شيئاً جامعاً لمنافع وملاذ، نظر اعتبار واستبصار واستدلال على قدرة مقدّره ومدبره وناقله من حال إلى حال. وقرئ وَيَنْعِهِ بالضم. يقال: ينعت الثمرة ينعاً وينعاً. وقرأ ابن محيصن: ويانعه. وقرئ: وثمره، بالضم.
إن جعلت لِلَّهِ شُرَكاءَ مفعولي جعلوا، نصبت الجن بدلا من شركاء، وإن جعلت لِلَّهِ لغوا كان شُرَكاءَ الْجِنَّ مفعولين قدّم ثانيهما على الأول. فإن قلت: فما فائدة التقديم؟ قلت:
فائدته استعظام أن يتخذ لله شريك مَن كان ملكا أو جنياً أو إنسياً أو غير ذلك. ولذلك قدّم اسم الله على الشركاء. وقرئ الجن بالرفع، كأنه قيل: من هم؟ فقيل: الجن. وبالجرّ على الإضافة التي للتبيين. والمعنى أشركوهم في عبادته، لأنهم أطاعوهم كما يطاع الله. وقيل: هم الذين زعموا أنّ الله خالق الخير وكل نافع، وإبليس خالق الشر وكل ضارّ وَخَلَقَهُمْ وخلق الجاعلين لله شركاء. ومعناه: وعلموا أن الله خالقهم دون الجن، ولم يمنعهم علمهم أن يتخذوا من لا يخلق