للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة الروم (٣٠) : آية ٢٨]]

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)

فإن قلت: أى فرق بين الأولى والثانية والثالثة في قوله تعالى مِنْ أَنْفُسِكُمْ، مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، مِنْ شُرَكاءَ؟ قلت: الأولى للابتداء، كأنه قال: أخذ مثلا وانتزعه من أقرب.

شيء منكم وهي أنفسكم ولم يبعد، والثانية للتبعيض، والثالثة مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. ومعناه: هل ترضون لأنفسكم- وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد- أن يشارككم بعضهم فِي ما رَزَقْناكُمْ من الأموال وغيرها تكونون أنتم وهم فيه على السواء، من غير تفصلة بين حرّ وعبد: تهابون أن تستبدوا بتصرف دونهم، وأن تفتاتوا بتدبير عليهم كما يهاب بعضكم بعضا من الأحرار، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم، فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟ كَذلِكَ أى مثل هذا التفصيل نُفَصِّلُ الْآياتِ أى نبينها لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها، لأنه بمنزلة التصوير والتشكيل لها.

ألا ترى كيف صوّر الشرك بالصورة المشوّهة؟

[[سورة الروم (٣٠) : آية ٢٩]]

بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩)

الَّذِينَ ظَلَمُوا أى أشركوا، كقوله تعالى: إنّ الشرك لظلم عظيم بِغَيْرِ عِلْمٍ أى اتبعوا أهواءهم جاهلين، لأنّ العالم إذا ركب هواه ربما ردعه علمه وكفه. وأما الجاهل فيهيم على وجهه كالبهيمة لا يكفه شيء مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ من خذله «١» ولم يلطف به، لعلمه أنه ممن لا لطف له، فمن يقدر على هداية مثله. وقوله وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان.

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)


(١) . قوله «من أضل الله: من خذله» تأويل الإضلال بذلك مبنى على أنه تعالى لا يخلق الشر، وهو مذهب المعتزلة، وذهب أهل السنة إلى أنه يخلق الشر كالخير، فالآية على ظاهرها. (ع)