للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرئ. لن تخرق، بضم الراء وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا بتطاولك. وهو تهكم بالمختال. قرئ سيئة وسيئه، على إضافة سيئ إلى ضمير كل، وسيئا في بعض المصاحف. وسيئات. وفي قراءة أبى بكر الصديق رضى الله عنه: كان شأنه. فإن قلت: كيف قيل سيئه مع قوله مكروها؟ قلت:

السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات، فلا اعتبار بتأنيثه. ولا فرق بين من قرأ سيئة وسيئا. ألا تراك تقول: الزنا سيئة، كما تقول: السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث. فإن قلت: فما ذكر من الخصال بعضها سيئ وبعضها حسن، ولذلك قرأ من قرأ سَيِّئُهُ بالإضافة، فما وجه من قرأ سيئة؟ قلت: كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٩]]

ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩)

ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من قوله لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى هذه الغاية. وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه. وعن ابن عباس: هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى، أوّلها، لا تجعل مع الله إلها آخر، قال الله تعالى وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وهي عشر آيات في التوراة. ولقد جعل الله فاتحتها وخاتمتها النهى عن الشرك، لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء «١» وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم، وهم عن دين الله أضل من النعم.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٠]]

أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠)

أَفَأَصْفاكُمْ خطاب للذين قالوا «الملائكة بنات الله» والهمزة للإنكار. يعنى: أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيباً لنفسه، واتخذ أدونهم وهي البنات؟ وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويكون أردأها وأدونها للسادات إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم بأنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون، ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم «٢» أدون


(١) . قوله «وإن بذ فيها الحكماء» في الصحاح «بذه» غلبه وفاقه. (ع)
(٢) . قوله «وهم أعلى خلق الله وأشرفهم» هذا على مذهب المعتزلة. أما عند أهل السنة فبعض البشر أفضل من الملاك. (ع)