المعنى: وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح، كقولك: وهو يعطى ويمنع، ويبسط ويقدر، ويغنى ويفقر أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لأنّ النبي سابق أمته في الإسلام، كقوله وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وكقول موسى سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ وَلا تَكُونَنَّ وقيل لي لا تكونن مِنَ الْمُشْرِكِينَ ومعناه: أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك. ومَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ العذاب يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ الله الرحمة العظمى وهي النجاة، «١» كقولك: إن أطعمت زيداً من جوعه فقد أحسنت إليه؟ تريد: فقد أتممت الإحسان إليه أو، فقد أدخله الجنة، لأن من لم يعذب لم يكن له بدّ من الثواب. وقرئ: من يصرف عنه، على البناء للفاعل، والمعنى: من يصرف الله عنه في ذلك اليوم فقد رحمه، بمعنى: من يدفع الله عنه.
ويحفظه، وقد علم من المدفوع عنه. وترك ذكر المصروف، لكونه معلوما أو مذكورا قبله وهو العذاب. ويجوز أن ينتصب يومئذ بيصرف انتصاب المفعول به، أى من يصرف الله عنه ذلك اليوم: أى هو له، فقد رحمه. وينصر هذه القراءة قراءة أبىّ رضى الله عنه: من يصرف الله عنه،
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه، فلا قادر على كشفه إلا هو وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ من غنى أو صحة فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان قادراً على ادامته أو إزالته.
(١) . قال محمود: «المراد الرحمة العظمى وهي النجاة من النار … الخ» قال أحمد: وإنما يلجئ إلى تخصيص الرحمة، إما بكونها العظمى، وإما برحمة الثواب أنه لو بقيت على إطلاقها، لما زاد الجزاء على الشرط إذ من المعلوم ضرورة أن صرف العذاب رحمة ما. والعجب أن الزمخشري يصحح تخصيصها برحمة الثواب بأن صرف العذاب يستلزم الثواب ولا بد، وغيره يصحح هذا التخصيص بأنه لا يلزم من صرف العذاب حصول الثواب، لجواز أن يصرف عنه العذاب ولا يثاب، فأفاد الجزاء إذاً فائدة لم تفهم من الشرط. هكذا صححه القونوى. ولعمري إن قاعدة المعتزلة تلجئ إلى ما ذهب إليه الزمخشري، لانقسام المكلفين عندهم إلى مستوجب للجنة فالثواب قطعا، وإلى مستوجب للنار فالعذاب قطعا، ويسندون ذلك إلى العقل لا إلى السمع.