للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«أعلمكم بالله أشدّكم له خشية» «١» وعن مسروق: كفى بالمرء علما أن يخشى، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه. وقال رجل للشعبى: أفتنى أيها العالم، فقال: العالم من خشي الله. وقيل:

نزلت في أبى بكر الصديق رضى الله عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه. فإن قلت:

هل يختلف المعنى إذا قدّم المفعول في هذا الكلام أو أخر؟ قلت: لا بدّ من ذلك، فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى: إنّ الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، وإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله، كقوله تعالى وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وهما معنيان مختلفان. فإن قلت: ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله؟ قلت: لما قال أَلَمْ تَرَ بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء، وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته، أتبع ذلك إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ كأنه قال: إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك: ممن عرفه حق معرفته وعلمه كنه علمه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم «٢» به» . فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وهو عمر بن عبد العزيز ويحكى عن أبى حنيفة؟ قلت: الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى:

إنما يجلهم ويعظمهم، كما يجل المهيب المخشى من الرجال بين الناس من بين جميع عباده إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ تعليل لوجوب الخشية، لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم، والمعاقب المثيب: حقه أن يخشى.

[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)

يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ يداومون على تلاوته وهي شأنهم وديدنهم. وعن مطرف رحمه الله:

هي آية القرّاء. وعن الكلبي رحمه الله: يأخذون بما فيه. وقيل: يعلمون ما فيه ويعملون به.

وعن السدى رحمه الله: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم. وعن عطاء: هم المؤمنون يَرْجُونَ خبر إن، والتجارة: طلب الثواب بالطاعة. ولِيُوَفِّيَهُمْ متعلق بلن تبور، أى: تجارة ينتفي عنها الكساد وتنفق «٣» عند الله ليوفيهم بنفاقها عنده أُجُورَهُمْ


(١) . لم أجده هكذا. وفي الصحيح: «أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية» .
(٢) . أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن زيد بن أسلم. ومالك في الموطأ والشافعي عنه عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار به مرسلا في أثناء حديث أوله «أن رجلا قبل امرأته وهو صائم»
(٣) . قوله «وتنفق عند الله» أى تروج. أفاده الصحاح. (ع) [.....]