فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة «١» إما على الحقيقة، وإما لتصاغرهم وتفاقرهم، خيفة أن تضاعف عليهم الجزية وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ من قولك: باء فلان بفلان، إذا كان حقيقاً بأن يقتل به، لمساواته له ومكافأته، أى صاروا أحقاء بغضبه ذلِكَ إشارة إلى ما تقدّم من ضرب الذلة والمسكنة والخلاقة بالغضب، أى ذلك بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء وقد قتلت اليهود- لعنوا- شعيا وزكريا ويحيى وغيرهم: فان قلت: قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق فما فائدة ذكره؟ قلت: معناه أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا. وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم، فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به القتل عندهم. وقرأ علىّ رضى اللَّه عنه ويقتلون بالتشديد ذلِكَ تكرار للإشارة بِما عَصَوْا بسبب ارتكابهم أنواع المعاصي واعتدائهم حدود اللَّه في كل شيء، مع كفرهم بآيات اللَّه وقتلهم الأنبياء. وقيل: هو اعتداؤهم في السبت. ويجوز أن يشار بذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء على معنى أن ذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم، لأنهم انهمكوا فيهما وغلوا حتى قست قلوبهم فجسروا على جحود الآيات وقتل الأنبياء، أو ذلك الكفر والقتل مع ما عصوا.
إن الذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة القلوب وهم المنافقون وَالَّذِينَ هادُوا والذين تهوّدوا. يقال: هاد يهود. وتهوّد إذا دخل في اليهودية، وهو هائد، والجمع هود. وَالنَّصارى وهو جمع نصران. يقال: رجل نصران، وامرأة نصرانة، قال: نصرانة لم تحنف. والياء في نصرانىّ للمبالغة كالتي في أحمرىّ. سموا لأنهم نصروا المسيح. وَالصَّابِئِينَ وهو من صبأ إذا خرج من الدين وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة مَنْ آمَنَ من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ودخل في ملة الإسلام دخولا أصيلا وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ الذي يستوجبونه بإيمانهم وعملهم. فإن قلت: ما محل من آمن؟ قلت: الرفع إن جعلته مبتدأ خبره (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) والنصب إن جعلته بدلا من اسم إنّ والمعطوف عليه. فخبر إنّ في الوجه الأول الجملة كما هي وفي الثاني فلهم أجرهم. والفاء لتضمن «من» معنى الشرط.