للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشكرها الذي طلب الآية من أجله، كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له: آيتك أن تحبس لسانك «١» إلا عن الشكر. وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال. ومنتزعا منه إِلَّا رَمْزاً إلا إشارة بيد أو رأس أو غيرهما وأصله التحرّك. يقال ارتمز: إذا تحرّك. ومنه قيل للبحر الراموز. وقرأ يحيى بن وثاب (إلا رمزاً) بضمتين، جمع رموز كرسول ورسل. وقرئ (رمزاً) بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم، وهو حال منه ومن الناس دفعة كقوله:

مَتَى مَا تَلْقَنِى فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ … رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا «٢»

بمعنى إلا مترامزين، كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم. والعشىّ: من حين تزول الشمس إلى أن تغيب. والْإِبْكارِ من طلوع الفجر إلى وقت الضحى. وقرئ: والأبكار، بفتح الهمزة جمع بكر، كسحر وأسحار. يقال: أتيته بكراً بفتحتين. فإن قلت: الرمز ليس من جنس الكلام فكيف استثنى منه؟ قلت: لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمى كلاما ويجوز أن يكون استثناء منقطعا.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]

وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)

يا مَرْيَمُ روى أنهم كلوها شفاها معجزة لزكريا أو إرهاصا لنبوّة عيسى اصْطَفاكِ


(١) . قوله «أن تحبس لسانك» لعله: يحبس. (ع)
(٢) .
أحولى تنفض استك مذرويها … لتقتلني فها أنا ذا عمارا
متى ما تلقني فردين ترجف … روانف أليتيك وتستطارا
وسيفي صارم قبضت عليه … أصابع لا ترى فيها انتشارا
لعنترة يخاطب عمارة بن زياد العبسي، لما قال لقومه: ليتني لقيته فأرحتكم منه وأعلمتكم أنه عبد، والاست: الدبر، وهي فاعل. ومذرويها: مفعول، وكان قياسه: مذريان بالياء لأنه مقصور زائد على ثلاثة أحرف، وقياس تثنيته كذلك، فمجيئه بالواو شاذ، وسهله أن تثنيته تقديرية لأنه لم يسمع له مفرد. وحكى عن أبى عمرو «مذرى» مفردا، فيكون مثنى حقيقة، وبه قيل. وحكى عن أبى عبيدة مذرى مفردا، ومذريان مثنى بالياء على القياس، وإن نصب الاست كان مفعولا، ومذرويها بدلا منه. والمذروان بالكسر فرعا الأليتين وقرنا الرأس. يقال: جاء ينفض مذرويه يختال ويتبختر، وقوس هتافة المذروين، وهما موقعا الوتر من أعلى وأسفل. أى رنانتهما، وها أنا ذا أصله أنا هذا، فقدمت الهاء مبادرة إلى التنبيه، ثم قال: متى تلاقنى حال كوننا منفردين عن غيرنا، تخف متى فترتعد أطراف أليتيك، فارتعادها كناية عن الخوف. وتستطارا مؤكد بالنون الخفيفة المنقلبة ألفا، والفاعل ضمير المخاطب كأن الخوف يطيره. ويجوز أن الضمير للروانف، أى تنتفض وتنتشر كالطائر. ويروى: روادف، والمراد واحد.