فإن قلت: ما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها؟ قلت، الدلالة على أنه قد تأتى في التأمّل وتمهل، وكأنّ بين الأفعال المنناسقة تراخ وتباعد. فإن قلت: فلم قيل فَقالَ إِنْ هذا بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟ قلت: لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث.
فإن قلت: فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين؟ قلت: لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٢٦ الى ٣١]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ بدل من سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. لا تُبْقِي شيئا يلقى فيها إلا أهلكته، وإذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد. أو لا تبقى على شيء ولا تدعه من الهلاك، بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة لَوَّاحَةٌ من لوح الهجير. قال:
تقول ما لاحك يا مسافر … يا ابنة عمّى لاحنى الهواجر «١»
قيل. تلفح الجلد لفحة فتدعه أشدّ سوادا من الليل. والبشر: أعالى الجلود. وعن الحسن.
تلوح للناس، كقوله ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ وقرئ: لواحة، نصبا على الاختصاص للتهويل عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ أى يلي أمرها ويتسلط على أهلها تسعة عشر ملكا. وقيل: صنفا من الملائكة.
وقيل: صفة. وقيل: نقيبا. وقرئ: تسعة عشر، بسكون العين لتوالى الحركات في ما هو في حكم
(١) . لاحه الحر لوحا: غيره وسوده. والهاجرة: شدة الحر. وأهجر القوم وهجروا بالتشديد وتهجروا: ساروا في الهاجرة، وفيه النفات، كأنه خاطب غيرها أولا. وعجبه من استفهامها عن الشيء الظاهر سببه وهو السفر، بل هي معترفة أنه مسافر كما قالت، ومن قساوة قلبها عليه، ثم التفت إليها بجواب سؤالها. وفي ندائها معنى التنبيه والإيقاظ والاستعطاف.