للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ردّا لزعمه أن الجنة لم تخلق إلا له، وإخبارا بأنه من أشدّ أهل النار عذابا، ويعلل ذلك بعناده، ويكون قوله إِنَّهُ فَكَّرَ بدلا من قوله إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً بيانا لكنه عناده. ومعناه فكر ماذا يقول في القرآن وَقَدَّرَ في نفسه ما يقول وهيأه فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ تعجيب من تقديره وإصابته فيه المحز. ورميه الغرض الذي كان تنتحيه قريش. أو ثناء عليه على طريقة الاستهزاء به. أو هي حكاية لما كرروه من قولهم. قتل كيف قدّر تهكما بهم وبإعجابهم بتقديره، واستعظامهم لقوله. ومعنى قول القائل: قتله الله ما أشجعه. وأخزاه الله ما أشعره: الإشعار بأنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك. روى أنّ الوليد قال لبنى مخزوم: والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى، فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فقام فأتاهم فقال: تزعمون أن محمدا مجنون، فهل رأيتموه يخنق، وتقولون إنه كاهن، فهل رأيتموه قط يتكهن، وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط، وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب، فقالوا في كل ذلك: اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا ساحر. أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل، فارتج النادي فرحا، وتفرّقوا معجبين بقوله متعجبين منه ثُمَّ نَظَرَ في وجوه الناس «١» ، ثم قطب وجهه «٢» ، ثم زحف مدبرا، وتشاوس مستكبرا لما خطرت بباله الكلمة الشنعاء، وهمّ بأن يرمى بها وصف أشكاله التي تشكل بها حتى استنبط ما استنبط، استهزاء به. وقيل: قدّر ما يقوله، ثم نظر فيه، ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول. وقيل: قطب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق وَاسْتَكْبَرَ عنه فقال ما قال. وثُمَّ نَظَرَ عطف على فَكَّرَ وَقَدَّرَ والدعاء: اعتراض بينهما. فإن قلت: ما معنى ثُمَّ الداخلة في تكرير الدعاء؟

قلت، الدلالة على أن الكرّة الثانية أبلغ من الأولى. ونحوه قوله.

ألا يا أسلمي ثمّ أسلمي ثمّت أسلمي


(١) . قوله «ثم نظر في وجوه الناس، أى نظر بمؤخر عينه تكبرا أو تغيظا، كما في الصحاح. (ع)
(٢) . قوله «ثم قطب وجهه» في الصحاح: قطب وجهه تقطيبا: عبس. وفيه أيضا: عبس عبوسا كلح، وبسر بسورا: كلح. يقال: عبس وبسر اه. (ع)