للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]

قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)

قرئ أَإِنَّكَ على الاستفهام. وأنك، على الإيجاب. وفي قراءة أبىّ: أإنك أو أنت يوسف، على معنى أإنك يوسف أو أنت يوسف، فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه، وهذا كلام متعجب مستغرب لما يسمع، فهو يكرر الاستثبات. فإن قلت: كيف عرفوه؟ قلت: رأوا في روائه «١» وشمائله حين كلمهم بذلك ما شعروا به أنه هو، مع علمهم بأنّ ما خاطبهم به لا يصدر مثله إلا عن حنيف مسلم من سنخ إبراهيم، لا عن بعض أعزاء مصر. وقيل: تبسم عند ذلك فعرفوه بثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم. وقيل: ما عرفوه حتى رفع التاج عن رأسه فنظروا إلى علامة بقرنه كانت ليعقوب وسارة مثلها، تشبه الشامة البيضاء. فإن قلت: قد سألوه عن نفسه فلم أجابهم عنها وعن أخيه؟ على أن أخاه كان معلوماً لهم. قلت: لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه مَنْ يَتَّقِ من يخف الله وعقابه وَيَصْبِرْ عن المعاصي وعلى الطاعات فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجرهم، فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا أى فضلك علينا بالتقوى والصبر وسيرة المحسنين. وإنّ شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للإثم، لم نتق ولم نصبر، لا جرم أنّ الله أعزّك بالملك وأذلنا بالتمسكن بين يديك لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ لا تأنيب عليكم ولا عتب. وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش. ومعناه: إزالة الثرب، كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع «٢» ، لأنه إذا ذهب كان ذلك غاية الهزال والعجف الذي ليس بعده، فضرب مثلا للتقريع الذي يمزق الأعراض ويذهب بماء الوجوه. فإن قلت: بم تعلق اليوم؟ «٣» قلت: بالتثريب، أو بالمقدر في عَلَيْكُمُ


(١) . قوله «قلت رأوا في روائه» بالضم، أى منظره. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) . قوله «والقرع» في الصحاح «القرع» بالتحريك: بثر أبيض، يخرج بالنصال. والتقريع: معالجة الفصيل من القرع، وينزع ذلك منه. (ع)
(٣) . قال: «فان قلت بم تعلق اليوم في قوله لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ … الخ» ؟ قال أحمد: وهذا المعنى إنما يتوجه على الاعراب الأول وهو الأوجه. ألا ترى إلى قولهم بعد ذلك يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ وقوله سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي دل على أنهم كانوا بعد في عهدة الذنب، ولو كان متعلقا بيغفر للزم أن يقطعوا بغفران ذنبهم حينئذ باخبار النبي الصديق. ويحتمل أن يقال: إنما أراد مغفرة ما يرجع إلى حقه دون حق أبيه، إذ الإثم كان مشتركا بينهما، والله أعلم.