أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ألم أقل لك اكتمي علىّ، قالت: والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحا بالكرامة التي خص الله بها أباها. فإن قلت: هلا قيل: فلما نبأت به بعضهن وعرفها بعضه؟ قلت: ليس الغرض بيان من المذاع إليه ومن المعرف، وإنما هو ذكر جناية حفصة في وجود الإنباء به وإفشائه من قبلها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرمه وحلمه، لم يوجد منه إلا الإعلام ببعضه، وهو حديث الإمامة. ألا ترى أنه لما كان المقصود في قوله فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا ذكر المنبأ، كيف أتى بضميره.
إِنْ تَتُوبا خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما.
وعن ابن عباس: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عنهما حتى حج وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالإداوة، فسكبت الماء على يده فتوضأ، فقلت: من هما؟ فقال:
عجبا يا ابن عباس- كأنه كره ما سألته عنه- ثم قال: هما حفصة وعائشة «١» فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه. وقرأ ابن مسعود: فقد زاغت وَإِنْ تَظاهَرا وإن تعاونا عَلَيْهِ بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره، فلن يعدم هو من يظاهره، وكيف يعلم المظاهر من الله مولاه أى وليه وناصره، وزيادة هُوَ إيذان بأن نصرته عزيمة من عزائمه، وأنه يتولى ذلك بذاته وَجِبْرِيلُ رأس الكروبيين، وقرن ذكره بذكره مفردا له من بين الملائكة تعظيما له وإظهارا لمكانته عنده وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ومن صلح من المؤمنين، يعنى: كل من آمن وعمل صالحا. وعن سعيد بن جبير: من بريء منهم من النفاق. وقيل: الأنبياء وقيل: الصحابة. وقيل: الخلفاء منهم. فإن قلت: صالح المؤمنين واحد أم جمع؟ قلت: هو واحد أريد به الجمع، كقولك: لا يفعل هذا الصالح من الناس، تريد الجنس، كقولك: لا يفعله من صلح منهم. ومثله قولك: كنت في السامر والحاضر. ويجوز أن يكون أصله: صالحوا المؤمنين بالواو، فكتب بغير واو على اللفظ، لأنّ لفظ الواحد والجمع واحد فيه، كما جاءت أشياء في المصحف متبوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط وَالْمَلائِكَةُ على تكاثر عددهم، وامتلاء السماوات من جموعهم بَعْدَ ذلِكَ بعد نصرة الله وناموسه وصالحي المؤمنين ظَهِيرٌ فوج مظاهر له، كأنهم يد واحدة على من يعاديه، فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء