فإنّ القرء والقارئ جاءا في معنى الوقت، ولم يرد لا حيضاً ولا طهراً. فإن قلت: فعلام انتصب (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ؟ قلت: على أنه مفعول به كقولك: المحتكر يتربص الغلاء، أى يتربصن مضىّ ثلاثة قروء، أو على أنه ظرف، أى يتربصن مدة ثلاثة قروء. فإن قلت: لم جاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء؟ قلت: يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية. ألا ترى إلى قوله:(بِأَنْفُسِهِنَّ) وما هي إلا نفوس كثيرة، ولعل القروء كانت أكثر استعمالا في جمع قرء من الأقراء، فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل، فيكون مثل قولهم: ثلاثة شسوع. وقرأ الزهري: ثلاثة قرو، بغير همزة. ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ من الولد أو من دم الحيض. وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع، ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها، أو كتمت حيضها وقالت وهي حائض: قد طهرت، استعجالا للطلاق. ويجوز أن يراد اللاتي يبغين إسقاط ما في بطونهن من الأجنة فلا يعترفن به ويجحدنه لذلك، فجعل كتمان ما في أرحامهن كناية عن إسقاطه إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تعظيم لفعلهن، وأن من آمن باللَّه وبعقابه لا يجترئ على مثله من العظائم. والبعولة: جمع بعل، والتاء لاحقة لتأنيث الجمع كما في الحزونة والسهولة. ويجوز أن يراد بالبعولة المصدر من قولك: بعل حسن البعولة، يعنى: وأهل بعولتهن أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ برجعتهن. وفي قراءة أبىّ: بردّتهن فِي ذلِكَ في مدة ذلك التربص. فإن قلت: كيف جُعلوا أحق بالرجعة، كأن للنساء حقاً فيها؟ قلت: المعنى أنّ الرجل إن أراد الرجعة وأبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها وكان هو أحق منها، إلا أن لها حقاً في الرجعة إِنْ أَرادُوا بالرجعة إِصْلاحاً لما بينهم وبينهن وإحساناً إليهن ولم يريدوا مضارّتهنّ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ويجب لهنّ من الحق على الرجال مثل الذي يجب لهم عليهنّ بِالْمَعْرُوفِ بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلفنهم ما ليس لهنّ ولا يكلفونهنّ ما ليس لهم ولا يعنف أحد الزوجين صاحبه. والمراد بالمماثلة مماثلة الواجب الواجب في كونه حسنة، لا في جنس الفعل، فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل نحو ذلك، ولكن يقابله بما يليق بالرجال دَرَجَةٌ زيادة في الحق وفضيلة. قيل المرأة تنال من اللذة ما ينال الرجل، وله الفضيلة بقيامه عليها وإنفاقه في مصالحها.