أَلْقِيا خطاب من الله تعالى للملكين السابقين: السائق والشهيد: ويجوز أن يكون خطابا للواحد على وجهين: أحدهما قول المبرد: أن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لا تحادهما، كأنه قيل: ألق ألق: للتأكيد. والثاني: أنّ العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان، فكثر على ألسنتهم أن يقولوا: خليلىّ وصاحبيّ، وقفا وأسعدا، حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين عن الحجاج أنه كان يقول: يا حرسى، اضربا عنقه. وقرأ الحسن: ألقين، بالنون الخفيفة.
ويجوز أن تكون الألف في أَلْقِيا بدلا من النون: إجراء للوصل مجرى الوقف عَنِيدٍ معاند مجانب للحق معاد لأهله مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ كثير المنع للمال عن حقوقه، جعل ذلك عادة له لا يبذل منه شيئا قط. أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله يحول بينه وبينهم. قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يمنع بنى أخيه من الإسلام، وكان يقول: من دخل منكم فيه لم أنفعه بخير ما عشت مُعْتَدٍ ظالم متخط للحق مُرِيبٍ شاك في الله وفي دينه الَّذِي جَعَلَ مبتدأ مضمن معنى الشرط، ولذلك أجيب بالفاء. ويجوز أن يكون الَّذِي جَعَلَ منصوبا بدلا من كُلَّ كَفَّارٍ ويكون فَأَلْقِياهُ تكريرا للتوكيد.
فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى؟ قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون. فإن قلت، فأين التقاول هاهنا؟ قلت: لما قال قرينه هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ وتبعه قوله قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وتلاه لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ: علم أنّ ثم مقاولة من الكافر، لكنها طرحت لما يدل عليها، كأنه قال: رب هو أطغانى، فقال قرينه: ربنا ما أطغيته. وأمّا الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعنى مجيء كل نفس مع الملكين: وقول قرينه ما قال له ما أَطْغَيْتُهُ ما جعلته طاغيا، وما أوقعته في الطغيان، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)
قالَ لا تَخْتَصِمُوا استئناف مثل قوله قالَ قَرِينُهُ كأن قائلا قال: فماذا قال الله؟ فقيل:
قال لا تختصموا. والمعنى: لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته، وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم