عليهم ولا يلتبسون بغيرهم. وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوّته. ثم قال الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ به، جمعوا بين أمرين متناقضين، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح، حيث قالوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا. وقالوا: وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها وقالوا: الملائكة بنات الله وهؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات، وسموها سحراً، ولم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ناصبه محذوف تقديره: ويوم نحشرهم كان كيت وكيت، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو داخل في التخويف أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ أى آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله.
وقوله: الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ معناه تزعمونهم شركاء، فحذف المفعولان. وقرئ: يحشرهم ثم يقول، بالياء فيهما. وإنما يقال لهم ذلك على وجه التوبيخ، ويجوز أن يشاهدوهم، إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة. فكأنهم غيب عنهم، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها، فيروا مكان خزيهم وحسرتهم فِتْنَتُهُمْ كفرهم. والمعنى: ثم لم تكن عاقبة كفرهم «١» - الذي لزموه أعمارهم، وقاتلوا عليه وافتخروا به، وقالوا دين آبائنا- إلا جحوده والتبرؤ منه، والحلف على الانتفاء من التدين به. ويجوز أن يراد: ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا فسمى فتنة، لأنه كذب. وقرئ: تكن، بالتاء وفتنتهم، بالنصب. وإنما أنث أَنْ قالُوا لوقوع الخبر مؤنثاً، كقولك: من كانت أمّك؟
وقرئ بالياء ونصب الفتنة. وبالياء والتاء مع رفع الفتنة. وقرئ: ربنا، بالنصب على النداء
(١) . قال محمود: «فتنتهم كفرهم، والمعنى ثم لم تكن عاقبة كفرهم … الخ» قال أحمد: وفي الآية دليل بين على أن الاخبار بالشيء على خلاف ما هو به كذب، وإن لم يعلم المخبر مخالفة خبره لمخبره. ألا تراه جعل إخبارهم وتبريهم كذبا مع أنه تعالى أخبر أنهم ضل عنهم ما كانوا يفترون، أى سلبوا علمه حينئذ دهشا وحيرة، فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم.