للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا نتبع موسى في دينه. وليس غرضهم باتباع السحرة «١» ، وإنما الغرض الكلى: أن لا يتبعوا موسى، فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى عليه السلام.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٤١ الى ٤٢]

فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)

وقرئ: نعم، بالكسر «٢» ، وهما لغتان. ولما كان قوله إِنَّ لَنا لَأَجْراً في معنى جزاء الشرط، لدلالته عليه، وكان قوله وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ معطوفا عليه ومدخلا في حكمه، دخلت إذا قارّة في مكانها الذي تقتضيه من الجواب والجزاء، وعدهم أن يجمع لهم إلى الثواب على سحرهم الذي قدروا أنهم يغلبون به موسى: القربة عنده والزلفى.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]

قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤)

أقسموا بعزة فرعون وهي من أيمان الجاهلية، وهكذا كل حلف بغير الله، ولا يصح في الإسلام إلا الحلف بالله معلقا ببعض أسمائه أو صفاته، كقولك: بالله، والرحمن، وربى، ورب العرش، وعزة الله، وقدرة الله، وجلال الله، وعظمة الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمّهاتكم ولا بالطواغيت، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون» «٣» ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية نسيت لها الجاهلية الأولى، وذلك أنّ الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها وصفاته على شيء: لم يقبل منه، ولم يعتدّ بها حتى يقسم برأس سلطانه، فإذا أقسم به فتلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءها حلف لحالف.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]

فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨)


(١) . قوله «باتباع السحرة» لعله: اتباع، كعبارة النسفي. (ع)
(٢) . قوله «وقرئ نعم بالكسر» أى كسر العين، كما في الصحاح. (ع)
(٣) . أخرجه النسائي من حديث أبى هريرة دون قوله «ولا تحلفوا إلا بالله» وقال «بالأنداد» بدل الطواغيت وله من حديث عبد الرحمن بن سمرة «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت» مختصر. وفي الصحيحين عن ابن عمر رفعه «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله» .